للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال القرطبيّ: قوله: "مداد كلماته" هو بكسر الميم، وبأَلِف بين الدالَيْن، ويعني به: كلامه القديم المنَزَّه عن الحروف، والأصوات، وعن الانقطاع، والتغييرات، كما قال تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (١٠٩)} [الكهف: ١٠٩]. انتهى.

قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا الذي قاله القرطبيّ من نفي الحروف والأصوات، في كلام اللَّه تعالى مخالف لمذهب المحقّقين من السلف، ومَنْ بعدهم من أن اللَّه تعالى يتكلم بحرف وصوت، ويُسمعه من يشاء، ويكلّم من شاء إذا شاء متى شاء، وإنما دعا القرطبي إلى هذا اعتقادُه كما هو مذهب الأشاعرة أن كلام اللَّه عبارة عن الكلام النفسيّ الذاتيّ، وأن ما أنزل من القرآن، وغيره من كلامه تعالى عبارة عن ذلك الكلام النفسيّ، وهذا غير صحيح، بل هو مذهب باطل مخالف لمذهب السلف، كما استوفيت البحث في ذلك في "المنحة الرضية شرح التحفة المرضيّة" في الأصول، فراجعه (١) تستفد علمًا جمًّا، وباللَّه تعالى التوفيق.

وقال في "النهاية": أي: مثل عددها، وقيل: قدر ما يوازيها في الكثرة عِيَارَ كيل، أو وزن، أو عدد، أو ما أشبهه من وجوه الحصر والتقدير، وهذا تمثيل يراد به التقريب؛ لأن الكلام لا يدخل في الكيل والوزن، وإنما يدخل في العدد، والمداد مصدر كالمدد، يقال: مددت الشيءَ مدًا، ومدادًا، وهو ما يكثر به، ويزاد. انتهى (٢).

وقال النوويّ: قال العلماء: واستعماله هنا مجاز؛ لأن كلمات اللَّه تعالى لا تُحْصَر بعدّ، ولا غيره، والمراد: المبالغة به في الكثرة؛ لأنه ذَكَر أوّلًا ما يحصره العدد الكثير، من عدد الخلق، ثم ارتقى إلى ما هو أعظم من ذلك، وعبَّر عنه بهذا؛ أي: ما لا يحصيه عدد كما لا تحصى كلمات اللَّه تعالى. انتهى (٣).

وقال في "اللمعات": وهذا ادّعاء، ومبالغة في تكثيرها، كأنه تكلم بهذا


(١) راجع: "المنحة" ١/ ٢٩٥ - ٣١١.
(٢) "النهاية في غريب الأثر" ص ٨٦١.
(٣) "شرح النوويّ" ١٧/ ٤٤.