للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأما حديث: "ورأيت أكثر أهلها"، فلعل المراد به أنه ظهر لي بعلامات ونحو ذلك، فلا ينافي أن الدخول يكون في يوم القيامة لا في البرزخ، واللَّه تعالى أعلم.

(وَإِذَا أَصْحَابُ الْجَدِّ) بفتح الجيم؛ أي: الأغنياء، (مَحْبُوسُونَ) في العرَصات، فلم يؤذن لهم في دخول الجنة؛ لطول حسابهم.

وقال في "الفتح": قوله: "محبوسون"؛ أي: ممنوعون من دخول الجنة مع الفقراء، من أجل المحاسبة على المال، وكأن ذلك عند القنطرة التي يتقاصّون فيها بعد الجواز على الصراط. انتهى (١).

وقال في "العمدة": قوله: "أصحاب الجدّ" بفتح الجيم، وتشديد الدال، وهو الغنى، والحظّ، ويجيء بمعنى القطع، وأبِ الأب، وبالكسر: الاجتهاد.

وقوله: "محبوسون"؛ أي: على باب الجنة، أو على الأعراف، كذا وقع لفظ "محبوسون" بالحاء المهملة، في الأصول من الحبس، وكذا عند أبي ذرّ، وقال ابن التين: وكذا عند الشيخ أبي الحسن، ولعله بفتح التاء، والواو: محتوشون، اسم مفعول من قولهم: احتوش فلانٌ بالمكان: إذا قام به؛ يعني: موقوفون لا يستطيعون الفرار.

وقال الداوديّ: أرجو أن يكون المحبوسون أهل التفاخر؛ لأن أفاضل هذه الأمة كان لهم أموال، ووصفهم اللَّه تعالى بأنهم سابقون.

وقال ابن بطال: إنما صار أصحاب الجدّ محبوسين؛ لِمَنْعهم حقوق اللَّه تعالى الواجبة للفقراء في أموالهم، فحُبسوا للحساب، كما مَنعوه، فأما من أدَّى حقوق اللَّه تعالى في ماله، فإنه لا يُحبس عن الجنة، إلا أنهم قليل، وإذا كثر المال تضيع حقوق اللَّه فيه؛ لأنه محنة، وفتنة. انتهى (٢).

وقوله: (إِلَّا) وفي رواية بدلها: "غير"، قال الطيبيّ: هي بمعنى "لكن"، والمغايرة بحسب التفريق، فإن القسم الأول بعضهم محبوس، وبعضهم غير


(١) "الفتح" ١٤/ ٨٨.
(٢) "عمدة القاري شرح صحيح البخاريّ" ٢٩/ ٤٥٧.