الإيمان" (٥/ ٤٠٩)، و (ابن عساكر) في "تاريخ دمشق" (٥٥/ ١٠٩)، واللَّه تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): في فوائده:
١ - (منها): بيان سعة رحمة اللَّه ومغفرته.
٢ - (ومنها): ما قاله القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هذا الحديث خبرٌ من اللَّه تعالى عن ممكن مقدور الوقوع، مع عِلم اللَّه تعالى بأنه لا يقع، فحصل منه أن اللَّه تعالى يعلم حال المقدّر الوقوع، كما يعلم حال المحقّق الوقوع، ونحو من هذا قول اللَّه تعالى:{وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ}[الأنعام: ٢٨]، وقد عبَّر بعض العلماء عن هذا بأن قال: إن اللَّه تعالى يعلم ما كان، وما يكون، وما لو كان كيف كان يكون، وحاصل هذا الحديث أن اللَّه تعالى سبق في علمه أنه يخلق من يعصيه، فيتوب، فيغفر له، فلو قُدِّر أن لا عاصي يظهر في الوجود لذهب اللَّه تعالى بالطائعين إلى جنّته، ولخلق من يعصيه، فيغفر له، حتى يوجد ما سبق في علمه، ويظهر من مغفرته ما تضمّنه اسمه الغفّار، ففيه من الفوائد رجاء مغفرته، والطماعية في سعة رحمته. انتهى (١).
٣ - (ومنها): ما قاله التوربشتيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: لم يَرِد هذا الحديث مورد تسلية المنهمكين في الذنوب، وتوهين أمرها على النفوس، وقلة الاحتفال منهم بمواقعتها على ما يتوهمه أهل الغِزة باللَّه، فإن الأنبياء -صلوات اللَّه عليهم- إنما بُعثوا ليردعوا الناس عن غشيان الذنوب، واسترسال نفوسهم فيها، بل ورد مورد البيان لعفو اللَّه تعالى عن المذنبين، وحُسن التجاوز عنهم؛ ليعظموا الرغبة في التوبة والاستغفار.
فالمعنى المراد من الحديث: هو أن اللَّه تعالى كما أحب أن يُحسن إلى المحسن أحب أن يتجاوز عن المسيء، وقد دلّ على ذلك غير واحد من أسمائه؛ كالغفار، والحليم، والتواب، والعفوّ، فلم يكن ليجعل العِبَاد شأنًا واحدًا؛ كالملائكة مجبولين على التنزه من الذنوب، بل يخلق فيهم من يكون بطبعه ميالًا إلى الهوى، مفتتنًا ومتلبسًا بما يقتضيه، ثم يكلفه التوقي عنه،