للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ويحذره عن مداناته، ويعرّفه التوبة بعد الابتلاء، فإن وفّى فأجره على اللَّه، وإن أخطأ الطريق فالتوبة بين يديه، فأراد النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: إنكم لو كنتم مجبولين على ما جُبلت عليه الملائكة لجاء اللَّه بقوم يتأتى منهم الذنب، فيتجلى عليهم بتلك الصفات على مقتضى الحكمة، فإن الغفار يستدعي مغفورًا، كما أن الرزاق يستدعي مرزوقًا. انتهى (١).

٤ - (ومنها): ما قال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: تصدير الكلام بالقَسَم -يعني: قوله في حديث أبي هريرة الآتي: "والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا. . . إلخ"- ردّ لمن يُنكر صدور الذنب عن العباد، ويعدّه نقصًا فيهم مطلقًا، وأن اللَّه تعالى لم يُرِد من العباد صدوره؛ كالمعتزلة، ومن سلك مسلكهم، فنظروا إلى ظاهره، وأنه مفسدة صِرْفة، ولم يقِفوا على سرّه أنه مستجلب للتوبة والاستغفار الذي هو موقع محبّة اللَّه تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: ٢٢٢]، و"إن اللَّه يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار. . ."، و"اللَّه أشد فرحًا بتوبة عبده. . ." الحديث.

ولعلّ السرّ في هذا إظهار صفة الكرم، والحلم، والغفران، ولو لم يوجد لانثلم طرف من صفات الإلهيّة، والإنسان إنما خليفة اللَّه في أرضه، يتجلّى له بصفات الجلال والإكرام، والقهر واللطف، والملائكة لمّا نظروا إلى الجلال والقهر قالوا: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} [البقرة: ٣٠]، واللَّه تعالى حين نظر إلى صفة الإكرام واللطف قال: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: ٣٠]، وإلى هذا المعنى يلمح قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لذهب اللَّه بكم"، ولم يكتف بقوله: "لو لم تذنبوا لجاء اللَّه بقوم يُذنبون" (٢)، واللَّه تعالى أعلم.

وبالسند المتّصل إلى المؤلّف -رَحِمَهُ اللَّهُ- أوّلَ الكتاب قال:

[٦٩٣٩] (. . .) - (حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي عِيَاضٌ -وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْفِهْرِيُّ- حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، عَنْ أَبِي صِرْمَةَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ


(١) "مرعاة المفاتيح" ٨/ ٥٣.
(٢) "الكاشف عن حقائق السنن" ٦/ ١٨٤٠ - ١٨٤١.