يقولون إن عمر لم يَخَفْ أن يكون يومئذ منافقًا حتى سأل حذيفة، ولكن خاف أن يُبتلَى بذلك قبل أن يموت، قال: هذا قول أهل البدع، يشير إلى أن عمر كان يخاف على النفاق على نفسه في الحال الظاهر أنه أراد أن عمر كان يخاف نفسه في الحال من النفاق الأصغر، والنفاق الأصغر وسيلة إلى النفاق الأكبر كما أن المعاصي بريد الكفر، وكما يُخشَى على من أصر على المعصية أن يُسلَب الإيمان عند الموت، كذلك يُخشَى على من أصر على خصال النفاق أن يُسلب الإيمان، فيصير منافقًا خالصًا.
وسئل الإمام أحمد: ما تقول فيمن لا يخاف على نفسه النفاق؟ قال: ومن يأمَن على نفسه النفاق؟.
قال: ومن أعظم خصال النفاق العمليّ أن يعمل الإنسان عملًا، ويُظهر أنه قصد به الخير، وإنما عَمِله ليتوصل به إلى غرض له سيئ، فيتم له ذلك، ويتوصل بهذه الخديعة إلى غرضه، ويفرح بمكره وخداعه، وحَمْد الناس له على ما أظهره، ويتوصل به إلى غرضه السيئ الذي أبطنه، وهذا قد حكاه اللَّه في القرآن عن المنافقين واليهود، فحَكى عن المنافقين أنهم:{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}[التوبة: ١٠٧]، وأنزل في اليهود: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (١٨٨)} [آل عمران: ١٨٨]، وهذه الآية نزلت في اليهود: سألهم النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عن شيء فكتموه، وأخبروه بغيره، فخرجوا، وقد أَرَوْه أن قد أخبروه بما سألهم عنه، واستحمدوا بذلك، وفَرِحوا بما أوتوا من كتمانهم، وما سئلوا عنه، قال ذلك ابن عباس، وحديثه مخرَّج في "الصحيحين".
وفيهما أيضًا عن أبي سعيد: أنها نزلت في رجال من المنافقين كانوا إذا خرج النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى الغزو، وتخلفوا عنه فرحوا بمقعدهم خلافه، فإذا قدم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من الغزو اعتذروا إليه، وحلفوا، وأحبوا أن يُحمدوا بما لم يفعلوا.
وفي حديث ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قال من غشنا فليس منا،