للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والمكر والخديعة في النار" (١)، وقد وصف اللَّه المنافقين بالمخادعة، ولقد أحسن أبو العتاهية في قوله [من الخفيف]:

لَيْس دُنْيَا إِلَّا بِدِينٍ وَلَيْسَ الدْ … دِينُ إِلَّا مَكَارِمَ الأَخْلَاقْ

إِنَّمَا الْمَكْرُ وَالْخَدِيعَةُ فِي النَّا … رِ هُمَا مِنْ خِصَالِ أَهْلِ النِّفَاقْ

ولمّا تقرّر عند الصحابة -رضي اللَّه عنهم- أن النفاق هو اختلاف السرّ والعلانية خَشِي بعضهم على نفسه أن يكون إذا تغيّر عليه حضور قلبه، ورقّته، وخشوعه عند سماع الذكر برجوعه إلى الدنيا، والاشتغال بالأهل والأولاد والأموال، أن يكون ذلك منه نفاقًا، كما في "صحيح مسلم" عن حنظلة الأُسَيِّديّ: أنه مرّ به أبو بكر -رضي اللَّه عنهما-. . . الحديث.

وفي "مسند البزار" عن أنس قال: قالوا: يا رسول اللَّه إنا نكون عندك على حال، فإذا فارقناك كنا على غيره، قال: "كيف أنتم وربّكم؟ " قالوا: اللَّه ربنا في السر والعلانية، قال: "ليس ذاكم من النفاق" (٢). انتهى (٣).

٣ - (ومنها): ما قاله القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وقول أبي بكر -رضي اللَّه عنه-: "واللَّه إنا لنلقى مثل هذا" ردّ على غلاة الصوفية الذين يزعمون دوام مثل تلك الحال، ولا يعرجون بسببها على أهل، ولا مال، ووَجْه الردّ أن أبا بكر -رضي اللَّه عنه- أفضل الناس كلهم بعد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى يوم القيامة، ومع ذلك، فلم يدّع خروجًا عن جبلّة البشرية، ولا تعاطى من دوام الذكر، وعدم الفترة ما هو خاصة الملائكة، وقد ادّعى قوم منهم دوام الأحوال، وهو بما ذكرناه شبه المحال، وإنما الذي يدوم المقامات، لكنها تتفاوت فيها المنازلات، والمقام: ما يحصل للإنسان بسعيه وكسبه، والحال: ما يحصل له بهبة ربه، ولذلك قالوا: المقامات مكاسب، والأحوال مواهب، ومن طاب وقته علا نَعْته، ومن صفا وارده طاب وِرْدُه.


(١) رواه الطبرانيّ، وصححه ابن حبّان.
(٢) رواه البزار في "مسنده" رقم (٥٢)، وأبو نعيم في "الحلية" ٢/ ٣٣٢، وذكره الهيثميّ في "المجمع" ١/ ٣٢، وزاد نسبته إلى أبي يعلى، وقال: رجاله رجال الصحيح، انتهى.
(٣) راجع: "جامع العلوم والحكم" ٢/ ٤٩١ - ٤٩٥.