للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأيضًا تهاون العباد، وتقصيرهم في أداء شكر نعمائه تعالى أكثر من أن يُعَدّ ويحصى، {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ} [النحل: ٦١]، فمن رحمته أن يبقيهم، ويرزقهم، ويُنعّمهم بالظاهر، ولا يؤاخذهم بهذا في الدنيا، وظهور رحمته في الآخرة قد تكفل ببيانه الحديث الآتي: "إن للَّه مائة رحمة. . . وفيه: وأخّر تسعًا وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة"، فإذن لا شك في أن رحمته تعالى سابقة وغالبة على غضبه. انتهى (١).

وقال السنديّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "كتب على نفسه" يدلّ على أنه ساق هذا الكلام على أنه وَعَدَ بأنه سيُعامل بالرحمة ما لا يُعامل بالغضب، لا أنه إخبار عن صفة الرحمة والغضب بأن الأُولى دون الثانية؛ لأنَّ صفاته كلها كاملة عظيمة، ولأن ما فَعَلَ من آثار الأُولى فيما سبق أكثر مما فَعَل من آثار الثانية.

قال الجامع عفا اللَّه عنه: هكذا قرّر السنديّ، لكن فيه ما المانع من كون الأولى دون الثانية، كما دلّ عليه ظاهر السياق، فتبصّر، واللَّه تعالى أعلم.

قال: ولا يُشكل هذا الحديث بما جاء أن الواحد من الألف يدخل الجَنَّة، والبقيّة النار:

إِمّا لأنه يعامل بمقتضى الرحمة، ولا يُعامل بمقتضى الغضب، كما قال تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا} [الأنعام: ١٦٠]، وقال: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ} الآية [البقرة: ٢٦١]، وقال: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: ١٠].

وإِمّا لأنَّ مظاهر الرحمة أكثر من مظاهر الغضب، فإن الملائكة كلهم مظاهر الرحمة، وهم أكثر خلق اللَّه، وكذا ما خلق اللَّه في الجنة من الحور والوالدان وغير ذلك. انتهى (٢)، واللَّه تعالى أعلم.

مسائل تتعلّق بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- هذا متّفقٌ عليه.


(١) "مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" ٨/ ١٦٦.
(٢) "حاشية السنديّ على النسائيّ" ١/ ١٢٣.