للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أن يكون بمعنى قَدَّر، وقد ورد "خَلَق" بمعنى قدّر في لغة العرب، فيكون المعنى: أن اللَّه أظهر تقديره لذلك يوم أظهر تقدير السماوات والأرض.

وقوله: "كلُّ رحمة تَسَعُ طباق الأرض" المراد بها التعظيم، والتكثير، وقد ورد التعظيم بهذا اللفظ في اللغة والشرع كثيرًا (١).

(فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ) زاد في رواية للبخاريّ: "جزءًا"، وفي رواية: "وأَخَّر عنده تسعة وتسعين رحمة"، وفي رواية العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة الآتية هنا: "وخبأ عنده مائة إلا واحدة". (وَأَنْزَلَ فِي الأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا) وفي رواية المقبريّ: "وأرسل في خلقه كلّهم رحمة"، وفي رواية عطاء: "أنزل منها رحمة واحدة بين الجنّ، والإنس، والبهائم"، وفي حديث سلمان: "فجعل منها في الأرض واحدة"، قال القرطبيّ: هذا نصّ في أن الرحمة يراد بها متعلّق الإرادة، لا نفس الإرادة، وأنها راجعة إلى المنافع والنعم (٢). (فَمِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ تَتَرَاحَمُ الْخَلَائِقُ، حَتَّى تَرْفَعَ الدَّابَّةُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا؛ خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ"). وفي رواية عطاء: "فبها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وبها تعطف الوحش على ولدها وفي حديث سلمان: "فبها تعطف الوالدة على ولدها، والوحش، والطير بعضها على بعض قال ابن أبي جمرة: خَصّ الفرس بالذِّكر؛ لأنها أشد الحيوان المألوف الذي يعاين المخاطبون حركته مع ولده، ولمَا في الفرس من الخفة والسرعة في التنقل، ومع ذلك تتجنب أن يصل الضرر منها إلى ولدها.

وزاد في حديث سلمان في آخره: "فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة مائة"، وفيه إشارة إلى أن الرحمة التي في الدنيا بين الخلق تكون فيهم يوم القيامة يتراحمون بها أيضًا، وصرح بذلك المهلَّب، فقال: الرحمة التي خلقها اللَّه لعباده، وجعلها في نفوسهم في الدنيا هي التي يتغافرون بها يوم القيامة التبعات بينهم، قال: ويجوز أن يستعمل اللَّه تلك الرحمة فيهم، فيرحمهم بها سوى رحمته التي وسعت كل شيء، وهي التي من صفة ذاته، ولم يزل موصوفًا بها، فهي التي يرحمهم بها زائدًا على الرحمة التي خلقها لهم،


(١) "الفتح" ١٣/ ٥٤٣ رقم (٦٠٠٠).
(٢) "الفتح" ١٣/ ٥٤٣ رقم (٦٠٠٠).