قال: ويجوز أن تكون الرحمة التي أمسكها عند نفسه هي التي عند ملائكته المستغفرين لمن في الأرض؛ لأنَّ استغفارهم لهم دالّ على أنَّ في نفوسهم الرحمة لأهل الأرض.
قال الحافظ: وحاصل كلامه: أن الرحمة رحمتان: رحمة من صفة الذات، وهي لا تتعدد، ورحمة من صفة الفعل، وهي المشار إليها هنا، ولكن ليس في شيء من طرق الحديث أن التي عند اللَّه رحمة واحدة، بل اتفقت جميع الطرق على أنَّ عنده تسعة وتسعين رحمة، وزاد في حديث سلمان:"أنه يكملها يوم القيامة مائة" بالرحمة التي في الدنيا، فتعدد الرحمة بالنسبة للخلق.
وقال القرطبيّ: مقتضى هذا الحديث: أن اللَّه عَلِمَ أن أنواع النعم التي يُنعم بها على خلقه مائة نوع، فأنعم عليهم في هذه الدنيا بنوع واحد، انتظمت به مصالحهم، وحصلت به مرافقهم، فإذا كان يوم القيامة كمل لعباده المؤمنين ما بقي، فبلغت مائة، وكلها للمؤمنين، وإليه الإشارة بقوله تعالى:{وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا}[الأحزاب: ٤٣]، فإن رحيمًا من أبنية المبالغة التي لا شيء فوقها، ويُفهم من هذا أن الكفار لا يبقى لهم حظ من الرحمة، لا من جنس رحمات الدنيا، ولا من غيرها، إذا كمل كل ما كان في علم اللَّه من الرحمات للمؤمنين، وإليه الإشارة بقوله تعالى:{فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} الآية [الأعراف: ١٥٦].
وقال الكرمانيّ: الرحمة هنا عبارة عن القدرة المتعلقة بإيصال الخير والقدرة في نفسها غير متناهية، والتعلق غير متناه، لكن حصره في مائة على سبيل التمثيل؛ تسهيلًا للفهم، وتقليلًا لِمَا عند الخلق، وتكثيرًا لِمَا عند اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-.
وأما مناسبة هذا العدد الخاصّ، فحكى القرطبي عن بعض الشراح: أن هذا العدد الخاصّ أُطلق لإرادة التكثير والمبالغة فيه.
وتعقبه بأنه لَمْ تَجْر عادة العرب بذلك في المائة، وإنما جرى في السبعين، كذا قال.
وقال ابن أبي جمرة: ثبت أن نار الآخرة تفضل نار الدنيا بتسع وستين جزءًا، فإذا قوبل كل جزء برحمة، زادت الرحمات ثلاثين جزءًا، فيؤخذ منه أن الرحمة في الآخرة أكثر من النقمة فيها، ويؤيده قوله:"غلبت رحمتي غضبي".