ورد لفظ بسط اليد؛ لأنَّ العرب إذا رضي أحدهم الشيء بسط يده لقبوله، وإذا كرهه قبضها عنه، فخوطبوا بأمر حسيّ يفهمونه، وهو مجاز، فإن يد الجارحة مستحيلة في حق اللَّه تعالى. انتهى. وقيل: البسط عبارة عن التوسع في الجود، والعطاء، والتنزه عن المنع، وفي الحديث تنبيه على سعة رحمته، وكثرة تجاوزه. وقال الطيبيّ: هو تمثيل يدلّ على أن التوبة مطلوبة عنده، محبوبة لديه، كأنه يتقاضاها من المسيء. انتهى.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذه التأويلات كلّها غير مقبولة؛ لأنَّ حاصلها حَمْل بسط اللَّه تعالى يده على لازم المعنى، والحقّ أن أصل المعنى ثابت للَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- على ما يليق بجلاله، ثم يتبعه ما ذكروه من اللوازم، فتنبذه، ولا تغترّ بكثرة القائلين، وإنما الحقّ ما دلّ عليه صريح الكتاب والسُّنَّة، وإن قلّ قائلوه، على أن هذه المسألة القائلون بها كثيرون، وهم السلف، ومن سلك سبيلهم، فاتّبع طريقهم تَسْلَم، وتَغْنَم، واللَّه تعالى الهادي إلى الطريق الأقوم.
(بِاللَّيْلِ)؛ أي: فيه، فالباء بمعنى "في"، (لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ)؛ يعني: أنه لا يعاجلهم بالعقوبة، بل يمهلهم؛ ليتوبوا، (وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا")؛ أي: إلى طلوع الشمس من محلّ غروبها، وذلك قرب الساعة، وهو وقت غلق باب التوبة، قال تعالى:{يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا}[الأنعام: ١٥٨]، قال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: يعني: أن التوبة تصحّ، وتُقبل دائمًا إلى الوقت الذي تطلع فيه الشمس من حيث تغرب، فإذا كان ذلك طُبع على كل قلب بما فيه، ولم تنفع توبة أحد، وهذا معنى قوله تعالى:{يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا}[الأنعام: ١٥٨].
وسرّ ذلك، وسببه أن ذلك هو أول قيام الساعة، فإذا شوهد ذلك، وَعُويِنَ حصل الإيمان الضروريّ، وارتفع الإيمان بالغيب الذي هو المكلّف به، وسيأتي القول في تحقيق القول في طلوع الشمس من مغربها في محلّه (١).