للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الإسراء؛ فإنه إنما كان يجب من الصلاة صلاتان: صلاة قبل طلوع الشمس، وصلاة قبل غروبها. وفي أثناء الليل قيام عليه وعلى الأمة، ثم نُسخ في حق الأمة، وثَبَت وجوبه عليه، ثم نُسخ عنه أيضًا، في قول، واللَّه أعلم (١).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا الاحتمال الأخير بعيد جدّ؛ لأن سياق الروايات يبطله، فتنبّه.

({إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ})؛ أي: إن الصلوات الخمس يُذهبن الذنوب، وفي الحديث: "الصلوات الخمس كفارة ما بينهنّ. . . "، أو المراد: الطاعات، كما قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وأتْبع السيئة الحسنة تمحها"، أو "سبحان اللَّه، والحمد للَّه، ولا إله إلا اللَّه، واللَّه أكبر".

وقال الطبريّ: يقول تعالى ذكره: إنّ الإنابة إلى طاعة اللَّه، والعمل بما يرضيه، يُذهب آثام معصية اللَّه، ويكفّر الذنوب.

قال: ثم اختلف أهل التأويل في الحسنات التي عنى اللَّه في هذا الموضع، اللاتي يُذهبن السيئات، فقال بعضهم: هنّ الصلوات الخمس المكتوبات، وقال آخرون: هو قول: "سبحان اللَّه، والحمد للَّه، ولا إله إلا اللَّه، واللَّه أكبر".

قال الطبريّ: وأَولى التأويلين بالصواب في ذلك، قولُ من قال في ذلك: "هن الصلوات الخمس"؛ لصحة الأخبار عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وتواترها عنه أنه قال: "مَثَلُ الصلوات الخمس مَثَلُ نَهْرٍ جَارٍ عَلَى باب أحَدِكم، ينغمس فيه كل يومٍ خمس مرات، فماذا يُبقينَ من دَرَنه؟ "، وأن ذلكَ في سِياق أمْر اللَّه بإقامة الصلوات، والوعدُ على إقامتها الجزيلَ من الثواب عَقيبها، أَولى من الوعد على ما لم يَجْر له ذكر من صالحات سائر الأعمال، إذا خُصّ بالقصد بذلك بعضٌ دون بعض. انتهى (٢).

وقوله: ({ذَلِكَ}) إشارة إلى قوله: {فَاسْتَقِمْ}، فما بعده، أو القرآن. ({ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ})؛ أي: عظة للمتعظين.

وقال الطبريّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: {ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ}، يقول تعالى ذِكره: هذا


(١) "تفسير ابن كثير" ٤/ ٣٥٥.
(٢) "تفسير الطبريّ" ١٥/ ٥١٥.