موجب الحد لا يثبت بالاحتمال، وإنما لم يستفسره إما لأن ذلك قد يدخل في التجسيس المنهيّ عنه، وإما إيثارًا للسَّتر، ورأى أن في تعرضه لإقامة الحد عليه ندمًا ورجوعًا، وقد استحب العلماء تلقين من أقرّ بموجب الحد بالرجوع عنه، إما بالتعريض، وإما بأوضح منه؛ ليدرأ عنه الحدّ، وجزم النوويّ وجماعة أن الذنب الذي فعله كان من الصغائر، بدليل أن في بقية الخبر أنه كفّرته الصلاة؛ بناءً على أن الذي تكفّره الصلاة من الذنوب الصغائر، لا الكبائر، وهذا هو الأكثر الأغلب، وقد تكفِّر الصلاة بعض الكبائر، كمن كَثُر تطوّعه مثلًا بحيث صَلَح لأن يكفّر عددًا كثيرًا من الصغائر، ولم يكن عليه من الصغائر شيء أصلًا، أو شيء يسير، وعليه كبيرة واحدة مثلًا، فإنها تكفّر عنه ذلك؛ لأن اللَّه لا يضيع أجر من أحسن عملًا.
وقد وقع في رواية أبي بكر البرزنجي عن محمد بن عبد الملك الواسطيّ، عن عمرو بن عاصم، بسند حديث الباب بلفظ:"أن رجلًا أتى النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: يا رسول اللَّه إني زنيت، فأقم عليّ الحدّ. . . " الحديث، فحَمَله بعض العلماء على أنه ظنّ ما ليس زنا زنا، فلذلك كفّرت ذنبه الصلاة.
وقد يتمسك به من قال: إنه إذا جاء تائبًا سقط عنه الحدّ.
ويَحْتَمِل أن يكون الراوي عبّر بالزنا من قوله:"أصبت حدًّا"، فرواه بالمعنى الذي ظنه، والأصل ما في "الصحيحين"، فهو الذي اتفق عليه الحفاظ عن عمرو بن عاصم، بسنده المذكور.
ويَحْتَمِل أن يختص ذلك بالمذكور؛ لإخبار النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أن اللَّه قد كفَّر عنه حدّه بصلاته، فإن ذلك لا يُعرف إلا بطريق الوحي، فلا يستمر الحكم في غيره، إلا في من عُلم أنه مثله في ذلك، وقد انقطع عِلْم ذلك بانقطاع الوحي بعد النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-.
وقد تمسَّك بظاهره صاحب "الهدي"، فقال: للناس في حديث أبي أمامة -يعني: المذكور بعد هذا- مسالك:
أحدها: أن الحدّ لا يجب إلا بعد تعيينه، والإصرار عليه من المُقِرّ به.