للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الذين أتموا، وأما قوله: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: ٣٣]، فالمراد: لا تبطلوها بمعصية الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-. انتهى (١).

قال في "الفتح": قوله: "فأتى راهبًا" فيه إشعار بأن ذلك كان بعد رفع عيسى؛ لأن الرهبانية إنما ابتدعها أتباعه، كما نُصّ عليه في القرآن. انتهى (٢).

(فَأَتَاهُ)؛ أي: أتى الرجل القاتلُ الراهبَ (فَقَالَ) له: (إِنَّهُ) فيه التفات؛ إذ الأصل أن يقول: "إني". (قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا)؛ أي: ظُلمًا، (فَهَلْ لَهُ مِنَ تَوْبَةٍ؟)؛ أي: صحيحة، (فَقَالَ) له الراهب جوابًا عن سؤاله: (لَا)؛ أي: لا توبة لك بعد أن قتلت تسعة وتسعين إنسانًا، وأفتاه بذلك؛ لغلبة الخشية عليه، واستبعاده أن تصح توبته بعد قَتْله لمن ذَكَر أنه قَتَله بغير حقّ (٣)، وقال القاري: وهذا قاله إما جهلًا منه بعلم التوبة، وإما لغلبة الخشية عليه، وإما لتصوّره عدم إمكان إرضاء خصومه عنه (٤). (فَقَتَلَهُ)؛ أي: الراهب، (فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً) قال القاري: لعله لكونه أوهمه أنه لا يقبل له توبة منها، وإن رضي مستحقوه، وقيل: لأن فتياه اقتضت عنده أن لا نجاة له، فيئس من الرحمة، ثم تداركه اللَّه تعالى، فنَدِم على ما صنع، فرجع يسأل، وفيه إشارة إلى قلة فطنة الراهب؛ لأنه كان من حقّه التحرز ممن اجترأ على القتل حتى صار له عادة، بأن لا يواجهه بخلاف مراده، وأن يستعمل معه المعاريض؛ مداراةً عن نفسه، هذا لو كان الحكم عنده صريحًا في عدم قبول توبة القاتل، فضلًا عن أن الحكم لم يكن عنده إلا مظنونًا (٥).

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قول الراهب للقاتل: لا توبة لك دليل على قلّة علم ذلك الراهب، وعدم فطنته، حيث لم يُصب وجه الفتيا، ولا سَلَك طريق التحرّز على نفسه، ممن صار القتل له عادة معتادة، فقد صار هذا مثل الأسد الذي لا يبالي بمن يفترسه، فكان حقّه ألا يشافهه بمنع التوبة؛ مداراةً لدفع القتل عن نفسه، كما يدارى الأسد الضاري، لكنه أعان على نفسه، فإنَّه لمّا آيسه من


(١) "المصباح المنير" ١/ ٢٤١.
(٢) "الفتح" ٨/ ١٢٧ - ١٢٨.
(٣) "مرعاة المفاتيح" ٨/ ٤٦.
(٤) "مرقاة المفاتيح" ٥/ ١٥٩.
(٥) "مرعاة المفاتيح" ٨/ ٤٦.