في معنى مَن حَمَل إثم الفريقين؛ لكونهم حملوا الإثم الباقي، وهو إثمهم.
ويَحْتَمِل أن يكون المراد آثامًا كان للكفار سبب فيها، بأن سَنُّوها، فتسقط عن المسلمين بعفو اللَّه تعالى، ويوضع على الكفار مثلها؛ لكونهم سنُّوها، ومن سنَّ سُنَّة سيئة كان عليه مثل وِزر كل من يعمل بها. انتهى (١).
وقال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "الفتح" -عند شرح الأحاديث التي أوردها البخاريّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "باب القصاص يوم القيامة"-: وفي حديث الباب وما بعده دلالة على ضعف الحديث الذي أخرجه مسلم من رواية غيلان بن جرير، عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعريّ، عن أبيه، رفعه:"يجيء يوم القيامة ناسٌ من المسلمين بذنوب أمثال الجبال، يغفرها اللَّه لهم، ويضعها على اليهود والنصارى"، فقد ضعَّفه البيهقيّ، وقال: تفرَّد به شدّاد أبو طلحة، والكافر لا يعاقَب بذنب غيره؛ لقوله تعالى:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} وقد أخرج أصل الحديث مسلم من وجه آخر، عن أبي بردة، بلفظ:"إذا كان يوم القيامة دفع اللَّه إلى كل مسلم يهوديًّا، أو نصرانيًّا، فيقول: هذا فداؤك من النار"، قال البيهقيّ: ومع ذلك فضعَّفه البخاريّ، وقال: الحديث في الشفاعة أصحّ.
قال البيهقيّ: ويَحْتَمِل أن يكون الفداء في قوم كانت ذنوبهم كُفّرت عنهم في حياتهم، وحديث الشفاعة في قوم لم تكفّر ذنوبهم، ويَحْتَمِل أن يكون هذا القول لهم في الفداء بعد خروجهم من النار بالشفاعة.
وقال غيره: يَحْتَمِل أن يكون الفداء مجازًا عما يدل عليه حديث أبي هريرة الآتي في أواخر "باب صفة الجنة والنار" قريبًا بلفظ: "لا يدخل الجنة أحد إلا أُريَ مقعده من النار، لو أساء؛ ليزداد شكرًا. . . " الحديث، وفيه في مقابله:"ليكون عليه حسرةً"، فيكون المراد بالفداء: إنزال المؤمن في مقعد الكافر من الجنة الذي كان أُعِدّ له، وإنزال الكافر في مقعد المؤمن الذي كان أُعدّ له، وقد يلاحظ في ذلك قوله تعالى:{وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا}[الزخرف: ٧٢]، وبذلك أجاب النوويّ تبعًا لغيره.
وأما رواية غيلان بن جرير، فأوّلها النوويّ أيضًا تَبَعًا لغيره، بأن اللَّه يغفر