للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أشبههم من المؤمنين في جميع الأزمان، فإنهم يُقاطعون مَن حادّ الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - مع حاجتهم في معايشهم إلى الارتفاق بهم، والاعتضاد بمخالطتهم، فآثروا رِضَى الله تعالى على ذلك، وهذا معنًى ظاهرٌ في هذا الحديث، لا شكّ في حسنه، وقد أنكر القاضي عياض - رحمه الله - هذا الكلام الواقع في "صحيح مسلم"، وادَّعَى أنه مُغَيَّرٌ، وليس كما قال، بل الصواب ما ذكرناه.

انتهى كلام النوويّ - رحمه الله -، وهو تحقيقٌ نفيسٌ، والله تعالى أعلم.

(فَيَقُولُ: أنا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللهِ مِنْكَ، لَا نُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا، مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ لَيَكَادُ أَنْ يَنْقَلِبَ) هكذا هو في الأصول: "ليكاد أن ينقلب" بإثبات "أن"، وإثباتُها مع "كاد" لغة قليلة، كما أن حذفها مع "عسى" لغة قليلة بالعكس، كما قال في "الخلاصة":

وَكَوْنُهُ (١) بِدُونِ "أَنْ" بَعَدَ "عَسَى" … نَزْرٌ وَ"كَادَ" الأَمْرُ فِيهِ عُكِسَا

وقوله: "ينقلب" - بياء مثناة من تحتُ، ثم نون، ثم قاف، ثم لام، ثم باء موحدة - ومعناه - والله أعلم - ينقلب عن الصواب، ويرجع عنه للامتحان الشديد الذي جرى، قاله النوويّ (٢).

(فَيَقُولُ: هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ، فَتَعْرِفُونَهُ بِهَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ) قال النوويّ: ضُبط "يكشف" بفتح الياء، وضمّها، وهما صحيحان.

وقال في "الفتح": هذا يحتمل أن الله عَرّفهم على ألسنة الرسل من الملائكة، أو الأنبياء أن الله جَعَل لهم علامة تجليه الساق، وذلك أنه يمتحنهم بإرسال مَن يقول لهم: أنا ربكم، والى ذلك الإشارة بقوله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} الآية [إبراهيم: ٢٧]، وهي وإن ورد أنها في عذاب القبر، فلا يبعد أن تتناول يوم الموقف أيضًا.

قال: وأما الساق: فجاء عن ابن عباس في قوله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} [القلم: ٤٢] قال: عن شِدّة من الأمر، والعرب تقول: قامت الحرب على ساق: إذا اشتدّت، ومنه:

قَدْ سَنَّ أَصْحَابُكَ ضَرْبَ الأَعْنَاقْ … وَقَامَتِ الْحَرْبُ بِنَا عَلَى سَاقْ


(١) أي الخبر.
(٢) "شرح النوويّ" ٣/ ٢٧.