الساق من الصفات، فهو كاليد، والأصابع، والوجه، والقدم، وغير ذلك مما أثبته النصّ الصحيح لله - سبحانه وتعالى - على ما يليق بجلاله، بلا تشبيه، ولا تمثيل، ولا تعطيل، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.
(فَلَا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ للهِ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ) أي مختارًا من جهة نفسه، مخلصًا لله تعالى، لا لجهة اتّقاء الخلق، وتعلّق الرجاء بهم (إِلَّا أَذِنَ اللهُ لَهُ بِالسُّجُود، وَلَا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ اتِّقَاءً) أي احترازًا من السيف، أو خوفًا من لوم الناس وعتابهم له (وَرِياءً) أي مراءاةً للناس، ومسامعة لهم (إِلَّا جَعَلَ اللهُ ظَهْرَهُ طَبَقَةً وَاحِدَةً) بفتح الطاء والباء، قال الهرويّ وغيره: الطَّبَقُ: فَقَارُ الظهر، أي صار فَقَارةً واحدةً كالصفحة، فلا يقدر على السجود (كُلَّمَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ خَرَّ) أي سقط (عَلَى قَفَاهُ) قال النوويّ - رحمه الله -: هذا السجود امتحان من الله تعالى لعباده، وقد استدل بعض العلماء بهذا مع قوله تعالى:{وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ}[القلم: ٤٢] على جواز تكليف ما لا يطاق، وهذا استدلال باطل، فإن الآخرة ليست دار تكليف بالسجود، وإنما المراد امتحانهم.
وقال ابن بطال: تَمَسّك به من أجاز تكليف ما لا يطاق من الأشاعرة، واحتجوا أيضًا بقصة أبي لهب، وأن الله كلفه الإيمان به مع إعلامه بأنه يموت على الكفر، ويَصْلَى نارًا ذات لهب، قال: ومنع الفقهاء من ذلك، وتمسّكوا بقوله تعالى:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}[البقرة: ٢٨٦]، وأجابوا عن السجود بأنهم يُدْعَون إليه تبكيتًا؛ إذ أدخلوا أنفسهم في المؤمنين الساجدين في الدنيا، فدُعُوا مع المؤمنين إلى السجود، فتعذر عليهم، فأظهر الله بذلك نفاقهم، وأخزاهم، قال: ومثله من التبكيت ما يقال لهم بعد ذلك: {ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا}[الحديد: ١٣]، وليس في هذا تكليف ما لا يطاق، بل إظهار خزيهم، ومثله:"كُلِّفَ أن يَعْقِد شعيرة"، فإنها للزيادة في التوبيخ والعقوبة. انتهى.
قال الحافظ: ولم يُجِب عن قصة أبي لهب، وقد ادَّعَى بعضهم أن مسألة تكليف ما لا يطاق لم تقع إلا بالإيمان فقط، وهي مسألة طويلة الذيل، ليس هذا موضع ذكرها. انتهى (١).
(١) "الفتح" ١٣/ ٤٣٨ "كتاب التوحيد" رقم (٧٤٤٠ - ٧٤٤٧).