للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الجامع عفا الله عنه: قد تقدّم أني استوفيت البحث المتعلّق بتكليف ما لا يُطاق في نظمي "التحفة المرضيّة" وشرحها، فارجع إليهما تستفد، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.

[تنبيه]: (اعلم): أن هذا الحديث قد يُتَوَهَّم منه أن المنافقين يرون الله تعالى مع المؤمنين، وقد ذهب إلى ذلك طائفة، حكاه ابن فُورك؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها، فيأتيهم الله تعالى … "، قال النوويّ: وهذا الذي قالوه باطل، بل لا يراه المنافقون بإجماع من يُعْتَدّ به من علماء المسلمين، وليس في هذا الحديث تصريح برؤيتهم الله تعالى، وإنما فيه أن الجمع الذي فيه المؤمنون والمنافقون يرون الصورة، ثم بعد ذلك يرون الله تعالى، وهذا لا يقتضي أن يراه جميعهم، وقد قامت دلائل الكتاب والسنة على أن المنافق لا يراه - سبحانه وتعالى -، والله تعالى أعلم. انتهى كلام النوويّ - رحمه الله - (١).

[تنبيه آخر]: وقع في رواية البخاريّ: "ويبقى من كان يسجد لله رياء وسمعةً، فيذهب كيما يسجد، فيعود ظهره طبقًا واحدًا"، فذكر العلامة جمال الدين بن هشام في "المغني" أنه وقع في البخاري في هذا الموضع "كَيْ" مجرَّدةً، وليس بعدها لفظ "يسجد"، فقال بعد أن حَكَى عن الكوفيين أنّ "كي" ناصبة دائمًا، قال: ويرُدُّه قولهم: "كيمه" كما يقولون: "لِمَهْ"، وأجابوا: بأن التقدير "كي تفعل ماذا؟ "، ويلزمهم كثرة الحذف، وإخراج "ما" الاستفهامية عن الصدر، وحذف ألفها في غير الجرّ، وحذف الفعل المنصوب مع بقاء عامل النصب، وكل ذلك لم يَثْبُت. نعم، وقع في "صحيح البخاري" في تفسير {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢)} [القيامة: ٢٢]: "فيذهب كيما، فيعود ظهره طبقًا واحدًا"، أي كيما يسجد، وهو غريب جدًّا، لا يحتمل القياس عليه. انتهى كلامه.

قال الحافظ بعد نقل كلام ابن هشام هذا ما نصّه: وكأنه وقعت له نسخة، سَقَطت منها هذه اللفظة، لكنها ثابتة في جميع النسخ التي وَقَفتُ عليها، حتى إن ابن بطال ذكرها بلفظ "كي يسجدَ" بحذف "ما"، وكلام ابن هشام يوهم أن البخاريّ أورده في "التفسير"، وليس كذلك، بل ذكرها في


(١) "شرح النوويّ" ٣/ ٢٩.