للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الجامع عفا اللَّه عنه: أراد الحافظ بهذا ردّ ما ذكر عياض، ومن تبعه مما ذكروه في توجيه هذه الرواية، وطوّلوا نَفَسَهم في ذلك من دون طائل، والحقّ أن هذه لا تثبت.

والحاصل: أن الذي وقع في نُسخهم غلط، وتصحيف، فلا ينبغي التعويل عليه، ولا الاشتغال به بأكثر من تغليطه، واللَّه تعالى الهادي إلى سواء السبيل.

(وَقَالَ) عبد اللَّه بن أُبيّ أيضًا: (لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ) قال الشوكانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: القائل لهذه المقالة هو عبد اللَّه بن أبيّ رأس المنافقين، وعنى بالأعزّ: نفسه، ومن معه، وبالأذلّ: رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ومن معه، ومراده بالرجوع: رجوعهم من تلك الغزوة، وإنما أسند القول إلى المنافقين مع كون القائل هو فردًا من أفرادهم، وهو عبد اللَّه بن أبيّ؛ لكونه كان رئيسهم، وصاحب أمرهم، وهم راضون بما يقوله، سامعون له، مطيعون. انتهى (١).

وقال أبو العبّاس القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: يعني المنافق بالأعزّ: نفسه، وعشيرته، وبالأذلّ: النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- والمؤمنين، جَهِل، فقال، وحيث وجب أن يسكت غلبت عليه شقوته، فانعكست فكرته، فظنّ الأرض سماء، والسراب ماء، فنبّهه ولده، نط فته على قبيح غلطته، فقال له: أنت واللَّه الأذلّ، ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الأعزّ، فأنزل اللَّه تصديقه في كتابه، لعلهم يسمعون، {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون: ٨]، ثم إن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- تلطّف بهم على مقتضى خُلُقه الكريم، وحِلمه العظيم، ودعاهم للاستغفار، فأبت الشقوة إلا التمادي على الجهل والاستكبار، فلوّوا رؤوسهم معرضين، وصدّوا مستكبرين، فقوبلوا {لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [المنافقون: ٦]، حشرنا اللَّه تعالى مع المؤمنين، وجنّبنا أحوال المنافقين بفضله وكرمه آمين (٢).

وقال أبو عبد اللَّه القرطبيّ المفسّر -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ورُوي أن عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن أُبَيّ، ابن سلولَ قال لأبيه: والذي لا إله إلا هو لا تدخل المدينة حتى تقول: إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- هو الأعز، وأنا الأذلّ، فقاله (٣).


(١) "فتح القدير" ٧/ ٢٢٧.
(٢) "المفهم" ٧/ ٤٠٩ - ٤١٠.
(٣) "تفسير القرطبيّ" ١٨/ ١٢٩.