للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فلما توهموا أن العزة بكثرة الأموال، والأتباع، ردّ اللَّه تعالى عليهم ذلك، وفنّده، وبيّن لهم أن العزة، والْمَنَعَة، والقوّة للَّه وحده لا شريك له، فقال: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون: ٨]؛ أي: القوّة، والغلبة للَّه وحده لا شريك له، ولمن أفاضها عليه من رسله، وصالحي عباده، لا لغيرهم، {وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} بما فيه النفع فيفعلونه، وبما فيه الضرّ فيجتنبونه، بل هم كالأنعام لِفَرْط جهلهم، ومزيد حيرتهم، والطبع على قلوبهم (١).

[تنبيه]: سبب قول عبد اللَّه بن أُبيّ هذا الكلام بُيّن في حديث جابر -رضي اللَّه عنه-، فقد أخرج الشيخان عن عمرو بن دينار، قال: سمعت جابر بن عبد اللَّه -رضي اللَّه عنهما- يقول: كنا في غَزاة، فَكَسَع (٢) رجل من المهاجرين رجلًا من الأنصار، فقال الأنصاريّ: يا لَلأنصار، وقال المهاجريّ: يا لَلمهاجرين، فسَمَّعَها اللَّه رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "ما هذا؟ " فقالوا: كسع رجل من المهاجرين رجلًا من الأنصار، فقال الأنصاريّ: يا للأنصار، وقال المهاجريّ: يا للمهاجرين، فقال النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "دَعُوها، فإنها منتنة"، قال جابر: وكانت الأنصار حين قدم النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أكثر، ثم كَثُر المهاجرون بعدُ، فقال عبد اللَّه بن أُبَيّ: أوَ قد فعلوا؟ واللَّه {لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} [المنافقون: ٨]، فقال عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-: دَعْني يا رسول اللَّه أضرب عنق هذا المنافق، قال النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "دَعْهُ، لا يتحدّث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه" (٣).

(قَالَ) زيد بن أرقم -رضي اللَّه عنه-: (فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ) هذا ظاهر في أن زيدًا أخبر النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بنفسه، لكن وقع في رواية للبخاريّ بلفظ: "فذكرت ذلك لعمّي، أو لعمر، فذكره للنبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-".

قال في "الفتح": قوله: "فذكرت ذلك لعمي، أو لعمر" كذا بالشكّ، وفي سائر الروايات الآتية: "لعمي" بلا شكّ، وكذا عند الترمذي من طريق أبي سعد الأزديّ، عن زيد، ووقع عند الطبرانيّ، وابن مردويه أن المراد بعمه: سعد بن


(١) "فتح القدير" ٧/ ٢٢٧.
(٢) أي: ضرب دُبُره بيده، أو برجله.
(٣) أخرجه البخاريّ برقم (٤٩٠٧)، وتقدّم لمسلم في "البر والصلة والآداب" برقم [١٦/ ٦٥٦٠] (٢٥٨٤).