للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"تَدفِن" بالفاء، والنون؛ أي: تُغَيِّبه عن الناس، وتَذهب به؛ لشدتها. انتهى (١).

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "هاجت ريح تكاد أن تدفن الراكب"؛ أي: هبّت ريح شديدة، تَحْمِل معها التراب والرمل؛ لشدتها، حتى لو عارضها راكب على بعيره لدفنته بما تُسَفّي عليه من التراب والرمل، وكأن هذه الريح إنما هاجت عند موت ذلك المنافق العظيم؛ ليعذَّب بها، أو جعلها اللَّه علامة لنبيّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على موت ذلك المنافق، وأنه مات على النفاق -واللَّه تعالى أعلم- انتهى (٢).

[تنبيه]: قال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "تكاد أن تدفن": قال ابن مالك: وقع خبر "كاد" مقرونًا بـ "أن"، وهو صحيح، لكن وقوعه غير مقرون بها أكثر، وأشهر، ولذلك لم يقع في القرآن إلا غير مقرون بها، والسبب المانع من الاقتران في باب المقاربة هو دلالة الفعل على الشروع، كطفق، وجعل، فإنّ "أنْ" تقتضي الاستقبال، وفِعل الشروع يقتضي الحال، فتنافيا، وما لا يدلّ على الشروع؛ كعسى، وأوشك، وكرَبَ، وكاد فمقتضاه مستقبل، فاقتران خبره بـ "أن" مؤكّد لمقتضاه، فإذا انضمّ إلى هذا التعليل استعمال فصيح، ونَقْل صحيح، كما في الحديث المذكور، وغيره كقول أنس: "فما كدنا أن نصل إلى منازلنا"، وقول بعض الصحابة: "والْبُرمة بين الأثافي، قد كادت أن تنضج"، وقول جُبير بن مطعم: "كاد قلبي أن يطير" تأكّد الدليل على الجواز، ولم يوجد لمخالفته سبيل، وقد اجتمع الوجهان في قول عمر -رضي اللَّه عنه-: "ما كدت أن أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب". انتهى (٣).

(فَزَعَمَ)؛ أي: قال، فالزعم هنا مستعمل في القول المحقّق، وإن كان أصل وَضْعها لغير المحقّق، وقد تقدّم هذا غير مرّة. (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَالَ: "بُعِثتْ) بالبناء للمفعول؛ أي: أُرسلت (هَذِهِ الرِّيحُ لِمَوْتِ مُنَافِقٍ)؛ أي: في وقت موته؛ أي: عقوبة له، وعلامةً لموته، وراحة البلاد، والعباد به (٤). (فَلَمَّا


(١) "شرح النوويّ" ١٧/ ١٢٧.
(٢) "المفهم" ٧/ ٤١٣ - ٤١٤.
(٣) "الكاشف عن حقائق السنن" ١٢/ ٣٧٧٩.
(٤) "شرح النوويّ" ١٧/ ١٢٧.