للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وكذلك من أطاع الشيطان في معصية الله، فقد عَبَدَهُ، كما قال الله عز وجل: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٠)} [يس: ٦٠].

فتبيَّنَ بهذا أنه لا يصح تحقيق معنى قول: "لا إله إلا الله" إلا لمن لم يكن في قلبه إصرارٌ على محبة ما يكرهه الله، ولا على إرادة ما لا يريده الله، ومتى كان في القلب شيء من ذلك، كان ذلك نقصًا في التوحيد، وهو نوع من الشرك الخفي، ولهذا قال مجاهد في قوله تعالى: {أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [الأنعام: ١٥١]: قال: لا تحبوا غيري.

وفي "مستدرك الحاكم" عن عائشة - رضي الله عنها - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الشرك أخفى من دبيب الذَّرّ على الصَّفَا في الليلة الظلماء، وأدناه أن تُحِبَّ على شيء من الجور، وتُبغض على شيء من العدل، وهل الدين إلا الحب والبغض؟ قال الله عز وجل: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: ٣١]، وهذا نَصٌّ في أن محبة ما يكرهه الله وبغض ما يحبه، متابعةٌ للهوى، والموالاة على ذلك والمعاداة عليه من الشرك الخفي.

وخَرَّج ابن أبي الدنيا من حديث أنس - رضي الله عنه - مرفوعًا: "لا تزال لا إله إلا الله، تمنع العباد من سخط الله، ما لم يؤثروا دنياهم على صفقة دينهم، فإذا آثروا صفقة دنياهم على دينهم، ثم قالوا: لا إله إلا الله، ردها الله عليهم، وقال الله: كذبتم" (١).


(١) قال الحافظ الهيثمي في "مجمع الزوائد": "رواه البزّار من حديث أنس - رضي الله عنه -، وإسناده حسن. راجع: "المجمع" ٧/ ٢٧٧.
ورواه البزار (٣٦١٩) من طريق إبراهيم بن حمزة الزبيريّ، عن عبد الله بن محمد بن عجلان، عن أبيه، عن جدّه، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، وعبد الله بن محمد بن عجلان قال العقيليّ: منكر الحديث، وقال ابن حبان: لا يحلّ كتب حديثه إلا على جهة التعجّب، روى عن أبيه نسخة موضوعة، وقال أبو حاتم: لا أعرفه، ولا أعرف حديثه، وسئل أبو زرعة عنه فقال: قد سمعت منه، ولم أكتب من حديثه شيئًا، قيل له: حدّث إبراهيم بن حمزة عنه، عن أبيه، عن جدّه، عن أبي هريرة، رفعه: "لا تزال لا إله إلا الله تدفع … "، فقال: ما أعظم ما جاء به، ينبغي أن يُلقى حديث هذا الشيخ، وأورد له العقيليّ هذا الحديث، وقال: لا يتابع عليه، وقد جاء عن الحسن قوله.