لأمر حدث في البدن؛ كثوران الدم، والصفرة لثوران خُلط من مرار وغيره، وعلى تقدير أن يكون ذلك محفوظًا فهو محمول على تأويل قوله تعالى:{وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ}؛ أي: قدرته على طيّها، وسهولة الأمر عليه في جمعها، بمنزلة مَن جمع شيئًا في كفّه، واستقل بحمله من غير أن يجمع كفه عليه، بل يُقِلّه ببعض أصابعه، وقد جرى في أمثالهم: فلان يُقِلّ كذا بإصبعه، ويعمله بخنصره. انتهى ملخصًا.
قال: وقد تعقب بعضهم إنكار ورود الأصابع؛ لوروده في عدّة أحاديث؛ كالحديث الذي أخرجه مسلم:"إن قلوب بني آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن"، قال الحافظ: ولا يَرِد عليه؛ لأنه إنما نفى القطع.
قال الجامع: وهذا من الحافظ رضًا بتأويل الخطّابيّ، وسيأتي الردّ عليه.
قال: وقال القرطبيّ في "المفهم": قوله: "إن اللَّه يمسك" إلى آخر الحديث، هذا كله قول اليهوديّ، وهم يعتقدون التجسيم، وأن اللَّه شخص ذو جوارح، كما يعتقده غلاة المشبهة من هذه الأمة، وضَحِك النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إنما هو للتعجب من جهل اليهوديّ، ولهذا قرأ عند ذلك:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}؛ أي: ما عرفوه حقّ معرفته، ولا عظّموه حق تعظيمه، فهذه الرواية هي الصحيحة المحقّقة، وأما من زاد:"وتصديقًا له" فليست بشيء، فإنها من قول الراوي، وهي باطلة؛ لأن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يصدّق المحال، وهذه الأوصاف في حقّ اللَّه محال؛ إذ لو كان ذا يد، وأصابع، وجوارح كان كواحد منا، فكان يجب له من الافتقار والحدوث والنقص والعجز ما يجب لنا، ولو كان كذلك لاستحال أن يكون إلهًا؛ إذ لو جازت الإلهية لمن هذه صفته لصحّت للدجال، وهو محال، فالمفضي إليه كذب، فقول اليهوديّ كذب ومحال، ولذلك أنزل اللَّه في الردّ عليه:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}، وإنما تعجب النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- من جهله، فظنّ الراوي أن ذلك التعجب تصديق، وليس كدلك.
قال الجامع: يا قرطبيّ: إن ظنّ ابن مسعود الصحابيّ الجليل الذي هو أعلم بكتاب اللَّه تعالى، وبسُنَّة رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- منك، ومن أمثالك خير من ظنّك أنت، وأمثالك، وأفضل، وأحسن، وأَولى بالاتباع، واللَّه تعالى الهادي إلى سواء السبيل.