للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

نقل في "الفتح": وقال ابن بطال: لا يُحمل ذكر الإصبع على الجارحة، بل يُحمل على أنه صفة من صفات الذات، لا تكيّف، ولا تُحدّد، وهذا يُنسب للأشعريّ.

قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا الكلام من ابن بطال سليم مسلّم، فيا ليته اكتفى به، ولكنه سيأتي له تأويل مرفوض، وسيأتي الردّ عليه -إن شاء اللَّه تعالى-.

وعن ابن فُورك أنه قال: يجوز أن يكون الإصبع خلقًا يخلقه اللَّه، فيُحَمِّله اللَّه ما يحمل الإصبع، ويَحتمل أن يراد به القدرة، والسلطان؛ كقول القائل: ما فلان إلا بين إصبعي، إذا أراد الإخبار عن قدرته عليه، وأيد ابن التين الأول بأنه قال: على إصبع، ولم يقل: على إصبعيه.

قال ابن بطال: وحاصل الخبر أنه ذكر المخلوقات، وأخبر عن قدرة اللَّه على جميعها، فضحك النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- تصديقًا له، وتعجبًا من كونه يستعظم ذلك في قدرة اللَّه تعالى، وأن ذلك ليس في جنب ما يقدر عليه بعظيم، ولذلك قرأ قوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} الآية؛ أي: ليس قَدْره في القدرة على ما يخلق على الحد الذي ينتهي إليه الوهم، ويحيط به الحصر؛ لأنه تعالى يقدر على إمساك مخلوقاته على غير شيء، كما هي اليوم، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا} [فاطر: ٤١]، وقال: {رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} [الرعد: ٢].

وقال الخطابيّ: لم يقع ذكر الإصبع في القرآن، ولا في حديث مقطوع به، وقد تقرر أن اليد ليست بجارحة، حتى يُتوهم من ثبوتها ثبوت الأصابع، بل هو توقيف أطلقه الشارع، فلا يكيَّف، ولا يشبّه، ولعل ذكر الأصابع من تخليط اليهوديّ، فإن اليهود مشبّهة، وفيما يدّعونه من التوراة ألفاظ تدخل في باب التشبيه، ولا تدخل في مذاهب المسلمين.

وأما ضحكه -صلى اللَّه عليه وسلم- من قول الحبر، فيَحْتَمِل الرضا، والإنكار، وأما قول الراوي: "تصديقًا له"، فظنّ منه، وحسبان، وقد جاء الحديث من عدّة طرق ليس فيها هذه الزيادة، وعلى تقدير صحتها، فقد يُستدلّ بحمرة الوجه على الخجل، وبصفرته على الوجل، ويكون الأمر بخلاف ذلك، فقد تكون الحمرة