للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المسؤول عنه، فقيل: هو الروح المدبر للبدن الذي تكون به حياته، وبهذا قال أكثر المفسرين. قال الفراء: الروح الذي يعيش به الإنسان، لم يخبر الله سبحانه به أحدًا من خلقه، ولم يعط علمه أحدًا من عباده فقال: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي}؛ أي: إنكم لا تعلمونه، وقيل: الروح المسؤول عنه: جبريل، وقيل: عيسى، وقيل القرآن، وقيل: ملك من الملائكة عظيم الخلق، وقيل: خَلْق كخلق بني آدم، وقيل غير ذلك مما لا طائل تحته، ولا فائدة في إيراده، والظاهر القول الأول، قال: ثم الظاهر أن السؤال عن حقيقة الروح؛ لأن معرفة حقيقة الشيء أهمّ، وأقدم من معرفة حالٍ من أحواله، ثم أمَره سبحانه أن يجيب على السائلين له عن الروح فقال: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي}. "من" بيانية، والأمر: الشأن، والإضافة للاختصاص؛ أي: هو من جنس ما استأثر الله بعلمه من الأشياء التي لم يُعلم بها عباده، وقيل: معنى {مِنْ أَمْرِ رَبِّي} من وحيه، وكلامه، لا من كلام البشر.

ثم ختم سبحانه هذه الآية بقوله سبحانه: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}؛ أي: أن علمكم الذي علّمكم الله، ليس إلّا المقدار القليل بالنسبة إلى علم الخالق سبحانه، وإن أوتي حظًا من العلم وافرًا، بل علم الأنبياء -عَلَيْهِمُ السَّلامُ- ليس هو بالنسبة إلى علم الله سبحانه إلّا كما يأخذ الطائر في منقاره من البحر، كما في حديث موسى والخضر -عَلَيْهِ السَّلامُ-. انتهى (١).

وقوله: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ} هكذا في هذه الرواية، وقد بيّن مسلم فيما بعدُ أن في رواية عيسى بن يونس: "وما أوتوا من العلم إلا قليلًا"، وكذلك وقع اختلاف في رواية البخاريّ، فقال في "الفتح": قوله: "وما أوتيتم من العلم" كذا للكشميهنيّ هنا -أي: في التفسير- وكذا لهم في "الاعتصام"، ولغير الكشميهنيّ هنا: "وما أوتوا" وكذا لهم في "العلم"، وزاد: "قال الأعمش: هكذا قراءتنا"، وبيّن مسلم اختلاف الرواة عن الأعمش فيها، وهي مشهورة عن الأعمش، أعني بلفظ: "وما أوتوا"، ولا مانع أن يذكرها بقراءة غيره، وقراءة الجمهور: "وما أوتيتم" والأكثر على أن المخاطب بذلك اليهود،


(١) "فتح القدير" للشوكانيّ ٤/ ٣٤٨.