للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فلا تجوز العبارة عنه بأكثر من موجود، وعلى ذلك جرى ابن عطية، وجَمْع من أهل التفسير، وأجاب من خاض في ذلك بأن اليهود سألوا عنها سؤال تعجيز، وتغليط؛ لكونه يُطلق على أشياء، فأضمروا أنه بأيّ شيء أجاب، قالوا: ليس هذا المراد، فردّ الله كيدهم، وأجابهم جوابًا مجملًا مطابقًا لسؤالهم المجمل.

وقال السُّهْرَورديّ في "العوارف": يجوز أن يكون من خاض فيها سلك سبيل التأويل، لا التفسير؛ إذ لا يسوغ التفسير إلا نقلًا، وأما التأويل فتمتد العقول إليه بالباع الطويل، وهو ذِكر ما لا يَحْتمل إلا به من غير قطع بأنه المراد، فمن ثَمّ يكون القول فيه، قال: وظاهر الآية المنع من القول فيها؛ لختم الاية بقوله: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}؛ أي: اجعلوا حكم الروح من الكثير الذي لم تؤتوه، فلا تسألوا عنه، فإنه من الأسرار.

وقيل: المراد بقوله: {أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء: ٨٥] كون الروح من عالم الأمر الذي هو عالم الملكوت، لا عالم الخلق الذي هو عالم الغيب والشهادة.

وقد خالف الجنيدَ ومن تبعه من الأئمة جماعةٌ من متأخري الصوفية، فأكثروا من القول في الروح، وصرّح بعضهم بمعرفة حقيقتها، وعاب من أمسك عنها.

ونقل ابن منده في "كتاب الروح" له عن محمد بن نصر المروزيّ الإمام المطلع على اختلاف الأحكام من عهد الصحابة إلى عهد فقهاء الأمصار، أنه نقل الإجماع على أن الروح مخلوقة، وإنما يُنقَل القول بقدمها عن بعض غلاة الرافضة، والمتصوفة.

واختُلف هل تفنى عند فناء العالم قبل البعث، أو تستمرّ باقية؟ على قولين، والله أعلم. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: وهذا الاختلاف أيضًا من نوع الاختلاف السابق، فهو من الخوض فيما لا يعني، والحقّ تفويض علم ذلك إلى القائل الحكيم: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}. اللَّهُمَّ اهدنا فيمن هديت، اللهم أرنا الحقّ حقًّا، وارزقنا اتّباعه، وأرنا الباطل باطلًا، وارزقنا اجتنابه، اللَّهُمَّ رب جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، فاطر السماوات


(١) "الفتح" ١٠/ ٣٠٧ - ٣٠٨.