هذا الخبر، قال: والحكمة في إبهامه اختبار الخلق؛ ليُعَرّفهم عجزهم عن علم ما لا يدركونه، حتى يضطرهم إلى ردّ العلم إليه.
وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: الحكمة في ذلك إظهار عجز المرء؛ لأنه إذا لم يعلم حقيقة نفسه، مع القطع بوجوده، كان عجزه عن إدراك حقيقة الحقّ من باب أَولى.
وجنح ابن القيم في "كتاب الروح" إلى ترجيح أن المراد بالِروح المسؤول عنها في الآية ما وقع في قوله تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا}[النبأ: ٣٨] قال: وأما أرواح بني آدم، فلم يقع تسميتها في القرآن إلا نفسًا، قال الحافظ: كذا قال، ولا دلالة في ذلك لِمَا رجّحه، بل الراجح الأول، فقد أخرج الطبريّ من طريق العوفيّ، عن ابن عباس في هذه القصّة أنهم قالوا عن الروح، وكيف يعذّب الروح الذي في الجسد، وإنما الروح من الله؟ فنزلت الآية.
وقال بعضهم: ليس في الآية دلالة على أن الله لم يُطلع نبيّه -صلى الله عليه وسلم- على حقيقة الروح، بل يَحْتَمِل أن يكون أطلعه، ولم يأمره أنه يطلعهم، وقد قالوا في علم الساعة نحو هذا، والله أعلم.
قال الجامع عفا الله عنه: العجب من الحافظ ينقل هذا القول، ويسكت عليه، وهو من منكر القول، فهل بعد هذه الآية بأن الروح من أمر الله، وليست من معلومات الخلق، وبعد قوله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح:"مفاتح الغيب خمس: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (٣٤)} [لقمان: ٣٤]، فهل يدعي عاقل بعد هذا كلّه بأن الله تعالى أطلع نبيّه -صلى الله عليه وسلم- على هذه المغيّبات؟ بل صرّح بعضهم بأنه -صلى الله عليه وسلم- لم يخرج من الدنيا حتى أطلعه الله على هذا المغيّبات، فهذا هو التقوّل على الله تعالى بلا علم، نسأل الله تعالى أن يعافينا من ذلك آمين.
قال الحافظ: وممن رأى الإمساك عن الكلام في الروح أستاذ الطائفة أبو القاسم، فقال فيما نقله في "عوارف المعارف" عنه بعد أن نقل كلام الناس في الروح: وكان الأَولى الإمساك عن ذلك، والتأدب بأدب النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ثم نقل عن الجنيد أنه قال: الروح استأثر الله تعالى بعلمه، ولم يطلع عليه أحدًا من خلقه،