أنه القائل ذلك، وإن كان هذا القول نُسب إلى جماعة، فلعله بدأ به، ورضي الباقون، فنُسب إليهم.
وقد رَوَى الطبرانيّ من طريق ابن عباس أن القائل ذلك هو النضر بن الحارث، قال: فأنزل الله تعالى: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (١)} [المعارج: ١]، وكذا قال مجاهد، وعطاء، والسديّ، ولا ينافي ذلك ما في الصحيح؛ لاحتمال أن يكونا قالاه، ولكن نِسبته إلى أبي جهل أَولى.
وعن قتادة قال: قال ذلك سَفَهَة هذه الأمة، وجَهَلتها.
وروى ابن جرير من طريق يزيد بن رُومان أنهم قالوا ذلك، ثم لما أمسَوا نَدِموا، فقالوا: غفرانك اللَّهُمَّ، فأنزل الله:{وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}.
وروى ابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس أن معنى قوله:{وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}؛ أي: مَنْ سَبَق له من الله أنه سيؤمن، وقيل: المراد: من كان بين أظهرهم حينئذ، من المؤمنين، قاله الضحاك، وأبو مالك، ويؤيده ما أخرجه الطبريّ من طريق بن أبزى قال:"كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمكة، فأنزل الله تعالى:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ}، ثم خرج إلى المدينة، فأنزل الله:{وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}، وكان من بقي من المسلمين بمكة يستغفرون، فلما خرجوا أنزل الله:{وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} الآية، فأَذِن الله في فتح مكة"، فهو العذاب الذي وعدهم الله تعالى.
ورَوَى الترمذيّ من حديث أبي موسى، رفعه:"قال: أنزل الله على أمتي أمانين"، فذكر هذه الآية، قال:"فإذا مضيت تركت فيهم الاستغفار"، وهو يقوي القول الأول، والحمل عليه أَولى، وأن العذاب حَلّ بهم لمّا تركوا الندم على ما وقع منهم، وبالغوا في معاندة المسلمين، ومحاربتهم، وصدِّهم عن المسجد الحرام، والله أعلم (١).
(اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ) بنصب "الحقَّ" على أنه خبر