للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"كان"، والضمير للفصل، ويجوز الرفع، قال الزجاج: ولا أعلم أحدًا قرأ بها، ولا اختلاف بين النحويين في إجازتها، ولكن القراءة سُنَّة، والمعنى: إن كان القرآن الذي جاءنا به محمد -صلى الله عليه وسلم- هو الحق (فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ) قالوا هذه المقالة مبالغةً في الجحود، والإنكار، قال أبو عبيدة: يقال: أمطر في العذاب، ومَطَر في الرحمة، وقال في "الكشاف": قد كثر الإمطار في معنى العذاب (١).

(أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) سألوا أن يعذَّبوا بالرجم بالحجارة من السماء، أو بغيرها من أنواع العذاب الشديد، فأجاب الله عليهم بقوله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ} الآية، (فَنَزَلَتْ) الآية، وهي قوله تعالى: ({وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ} يا محمد موجود {فِيهِمْ} فإنك ما دُمت فيهم فهم في مُهلة من العذاب الذي هو الاستئصال، {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} رُوي أنهم كانوا يقولون في الطواف: غفرانك؛ أي: وما كان الله معذبهم في حال كونهم يستغفرونه. وقيل: إن الاستغفار راجع إلى المسلمين الذين هم بين أظهرهم؛ أي: وما كان الله ليعذبهم، وفيهم من يستغفر من المسلمين، فلما خرجوا من بين أظهرهم عذَّبهم بيوم بدر، وما بعده، وقيل: المعنى: وما كان الله معذبهم، وفي أصلابهم من يستغفر الله. ({وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ}) لَمّا بيّن سبحانه أن المانع من تعذيبهم هو الأمران المتقدمان: وجود رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين أظهرهم، ووقوع الاستغفار، ذكر بعد ذلك أن هؤلاء الكفار؛ أي: كفار مكة، مستحقون لعذاب الله؛ لِمَا ارتكبوا من القبائح، والمعنى: أيّ شيء لهم يمنع من تعذيبهم؟ قال الأخفش: إن "أن" زائدة، قال النحاس: لو كان كما قال لرفع {يُعَذِّبْهُمُ} [التوبة: ١٤] (٢).

وجملة ({وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}) في محل نصب على الحال؛ أي: وما يمنع من تعذيبهم؟ والحال أنهم يصدّون الناس عن المسجد الحرام، كما وقع منهم عام الحديبية من منع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه -رضي الله عنهم- من البيت.


(١) "فتح القدير" للشوكانيّ ٣/ ١٧٥.
(٢) "فتح القدير" للشوكانيّ ٣/ ١٧٦.