للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأَحْجَمَ، وانْقَدَعَ. وقال أَبو تُرَابِ: نَكَصَ عن الأَمْرِ، ونَكَفَ بمَعْنَىً وَاحِدٍ؛ أي: أَحْجَمَ. يُقَال: أَرادَ فُلانٌ أَمرًا، ثُمَّ نَكَصَ، من حَدِّ نَصرَ، وضَرَبَ: رَجَعَ، كما في "الصّحاح". وقال الأَزْهَرِيّ: قَرَأَ بعضُ القُرَّاءِ: "يَنْكُصُون" بالضَّمِّ، وأَنْكَرَه الصَّاغَانِيّ. وقال: لا أَعْرِفُ مَن قَرَأَ بهذِه القِرَاءَة. وقال الزَّجَّاج: الضَّمُّ جائِزٌ، ولكنَّه لم يُقْرأ به. وإِطْلاق المُصَنِّف (١) صَرِيحٌ في أَنَّ مُضارِعَه بالضَّمِّ لا غيْر، كما هو قاعِدَة كِتابِه، وهو وَهَمٌ صَرِيحٌ، وقُصُورٌ ظاهِرٌ، لا سِيَّمَا والكلمةُ قُرْآنِيَّة، وأَجْمَعَ القُرَّاءُ كُلّهُم على كَسْرِ الكافِ في قَوْله تَعالَى: {فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ}. وعِبَارَةُ "الصّحاح" سالِمَةٌ من هذَا، فإِنّه ذَكَرَ الوَجْهَيْن، كما تَقَدَّمَ. وقال ابنُ دُرَيْدٍ: نَكَصَ على عَقِبَيْهِ: رَجَعَ عَمَّا كَانَ عَليْه منْ خيْرٍ، قال: وهو خاصٌّ بالرّجُوعِ عن الخيْرِ، قال: وكَذَا فُسِّرَ في التَّنْزِيل، ووَهِمَ الجَوْهَرِيُّ في إِطْلاقِهِ، وقد يُقَالُ: أن لا حَصْرَ فيه، عَلَى أَنَّ التَّقيِيدَ الَّذِي نَقَلَهُ المُصَنِّف رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى إِنَّمَا قالَهُ ابنُ دُرَيْدٍ، وتَبِعَهُ بَعْضُ فُقَهاءِ اللُّغَةِ، والمَعْرُوفُ عن الجُمْهُورِ أَنَّ النُّكُوصَ كالرُّجُوعِ وَزْنًا ومَعْنىً، وإِليه ذَهَبَ الجَوْهَرِيُّ، والزَّمَخْشَرِيُّ، وابنُ القَطَّاع، وغيْرُهم، وكَفَى بهم عُمْدَةً، ويُؤَيِّدُ الإِطْلاقَ قَولُ عَلِيٍّ -رضي الله عنه- في صِفِّينَ: والشَّيْطَانُ قَدَّمَ لِلوَثبَةِ يَدًا، وأَخَّرَ لِلنُّكُوصِ رِجْلًا، قال ابنُ أَبِي الحَدِيدِ: النُّكُوصُ: الرُّجُوعُ إِلَى وَرَاء، وهو القَهْقَرَى، فتَأَمَّل. أَو في الشَّرِّ أَيضًا، وهو قَوْلُ ابن دُرَيْدٍ أَيضًا، وهو نَادِرٌ، ونَصُّه: ورُبَّمَا قيلَ في الشَّرِّ. انتهى (٢).

(قَالَ) أبو هريرة: (فَقِيلَ لَهُ)؛ أي: لأبي جهل، (مَا لَكَ؟)؛ أي: أيّ شيء حملك على الرجوع قهقرى؟، وقال القاري؛ أي: ما حصل لك من المنع، وما وقع لك من الدفع؟ (فَقَالَ: إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ)؛ أي: النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، (لَخَنْدَقًا مِنْ نَارٍ، وَهَوْلًا) بفتحِ، فسكون؛ أي: خوفًا وأمرًا شديدًا، وقد هاله يهوله، فهو هائل (٣). (وَأَجْنِحَةً) جَمْع جناح الطائر، وهي هنا للملائكة الذين


(١) يعني: صاحب "القاموس".
(٢) "تاج العروس من جواهر القاموس" ص ٤٥٥٠.
(٣) "الكاشف عن حقائق السنن" ١٢/ ٣٧٣٢.