للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فذلك قوله: يوم نبطش البطشة الكبرى، يوم بدر"، ولم يُنقل أن أبا سفيان قَدِم المدينة قبل بدر، وعلى هذا فيَحْتَمِل أن يكون أبو طالب كان حاضرًا ذلك، فلذلك قال:

وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ … ثِمَالُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلأَرَامِلِ

لكن سيأتي بعد هذا بقليل ما يدلّ على أن القصة المذكورة وقعت بالمدينة، فإن لم يُحمل على التعدد، وإلا فهو مشكل جدًا، والله المستعان. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: ما ذكره من حضور أبي طالب لهذه القصّة بعيد جدًّا، فتأمل. (فَقَالَ) أبو سفيان لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ جِئْتَ) إلى الناس، والحال أنك (تَأْمُرُ) الناس (بِطَاعَةِ اللهِ) -عَزَّ وَجَلَّ- (وَبِصِلَةِ الرَّحِمِ)؛ يعني: والذين هلكوا بدعائك من ذوي رحمك، فينبغي أن تصل رحمك بالدعاء لهم، (وَإِنَّ قَوْمَكَ) قريشًا (قَدْ هَلَكُوا) بالجوع بسبب دعائك عليهم، (فَادْعُ اللهَ لَهُمْ) بأن يكشف عنهم ما حلّ بهم، فإن كشفت عنهم آمنوا، وفي هذه الرواية اختصار، بيّنته الرواية الآتية: "قال: فدعا الله لهم، فأنزل الله -عَزَّ وَجَلَّ-: {إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (١٥)}، فمُطروا، فلما أصابتهم الرفاهية قال: عادوا إلى ما كانوا عليه، قال: فأنزل الله -عَزَّ وَجَلَّ-: {فَارْتَقِبْ} [الدخان: ٥٩] " الآية.

وقال في "الفتح": وأخرج الجوزقيّ، والبيهقي من رواية علي بن ثابت، عن أسباط بن نصر، عن منصور، وهو ابن المعتمر، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن ابن مسعود قال: لمّا رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الناس إدبارًا، فذكر نحو الحديث، وزاد: "فجاءه أبو سفيان، وناس من أهل مكة، فقالوا: يا محمد إنك تزعم أنك بُعثت رحمةً، وإن قومك قد هلكوا، فادع الله لهم، فدعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فسُقوا الغيث … " الحديث، وقد أشاروا بقولهم: بُعثت رحمة إلى قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (١٠٧)} [الأنبياء: ١٠٧]. انتهى (٢).


(١) "الفتح" ٢/ ٥١١.
(٢) "الفتح" ٣/ ٣٧٥.