قال ابن مسعود:(قَالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (١٠)}) الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها؛ لأن كونهم في شكّ ولعب يقتضي ذلك؛ والمعنى: فانتظر لهم يا محمد يوم تأتي السماء بدخان مبين، وقيل: المعنى: احفظ قولهم هذا لتشهد عليهم يوم تأتي السماء بدخان مبين (١).
وقوله:{يَغْشَى النَّاسَ} صفة ثانية لـ "دخان"، أي: يشملهم، ويحيط بهم، {هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ}، أي: يقولون: هذا عذاب أليم، أو قائلين ذلك، أو يقول الله لهم ذلك.
فقوله تعالى: {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (١٢)}؛ أي: يقولون ذلك، وقد روي أنهم أتوا النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وقالوا: إن كشف الله عنا هذا العذاب أسلمنا، والمراد بالعذاب: الجوع الذي كان بسببه ما يرونه من الدخان، أو يقولونه إذا رأوا الدخان الذي هو من آيات الساعة، أو إذا رأوه يوم فتح مكة على اختلاف الأقوال. والراجح منها: أنه الدخان الذي كانوا يتخيلونه مما نزل بهم من الجهد، وشدّة الجوع، ولا ينافي ترجيحُ هذا ما ورد أن الدخان من آيات الساعة، فإن ذلك دخان آخر، ولا ينافيه أيضًا ما قيل: إنه الذي كان يوم فتح مكة، فإنه دخان آخر على تقدير صحة وقوعه.
وقوله:{أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى}؛ أي: كيف يتذكرون، ويتعظون بما نزل بهم، والحال أن {وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ} يُبَين لهم كل شيء يحتاجون إليه من أمر الدين، والدنيا، {ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ}؛ أي: أعرضوا عن ذلك الرسول الذي جاءهم، ولم يكتفوا بمجرّد الإعراض عنه، بل جاوزوه {وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ}؛ أي: قالوا: إنما يعلّمه القرآن بشر، وقالوا: إنه مجنون، فكيف يتذكر هؤلاء، وأنى لهم الذكرى؟.
ثم لمّا دعوا الله بأن يكشف عنهم العذاب، وأنه إذا كشفه عنهم آمنوا