أصابهم الرفاهية عادوا إلى ما كانوا عليه، فأنزل الله تعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (١٠)}، والمعنى: فانتظر يا محمد عذابهم، ومفعول "ارتقب" محذوف، وهو عذابهم.
وقوله:{يَغْشَى النَّاسَ} صفة للدخان في محل الجر؛ يعني: يشملهم، ويلبسهم، وقيل:{يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ} مفعول {فَارْتَقِبْ}، قوله:{هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ}؛ يعني: يملأ ما بين المشرق والمغرب، يمكث أربعين يوما وليلة، أما المؤمن فيصيبه منه كهيئة الزكام، وأما الكافر كمنزلة السكران، يخرج من منخريه، وأذنيه، ودبره، وقوله: { … هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (١١)} [الدخان: ١٠، ١١] كل ذلك منصوب المحل بفعل مضمر، وهو "يقولون"، و"يقولون" منصوب على الحال؛ أي: قائلين ذلك، قوله:{إِنَّا مُؤْمِنُونَ} موعدة بالإيمان، إن كُشف عنهم العذاب، قال الله تعالى:{أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى}؛ أي: من أين لهم التذكر، والاتعاظ بعد نزول البلاء، وحلول العذاب، والحال أنه قد جاءهم رسول بما هو أعظم من ذلك، وأدخل في وجوب الادّكار من كشف الدخان، وهو ما ظهر على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، من الآيات البينات، من الكتاب المعجز وغيره من المعجزات، فلم يذكروا، وتولوا عنه، وبَهَتوه بأن عداسًا غلامًا أعجميًا لبعض ثقيف، هو الذي علّمه، ونسبوه إلى الجنون، وهو معنى قوله: {ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (١٤)}، ثم قال: {إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (١٥)} إلى كفركم، ثم قال:{يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى}، وهو يوم بدر، كما في متن حديث الباب، وعن الحسن: البطشة الكبرى يوم القيامة.
وقوله:"فقد مضت" إلى آخره من كلام ابن مسعود -رضي الله عنه-، ولم يسنده إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم-.
وقال ابن دحية: الذي يقتضيه النظر الصحيح حَمْل أمر الدخان على قضيتين: إحداهما وقعت، وكانت، والأخرى ستقع.
قال العينيّ: فعلى هذا هما دخانان: أحدهما الذي يملأ ما بين السماء والأرض، ولا يجد المؤمن منه إلا كالزُّكمة، وهو كهيئة الدخان، وهيئة الدخان غير الدخان الحقيقيّ، والآخر هو الدخان الذي يكون عند ظهور الآيات،