(عَنْ عَبْدِ اللهِ) بن مسعود -رضي الله عنه-؛ أنه (قَالَ: انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بِشِقَّتَيْنِ) وفي الرواية الآتية: "بينما نحن مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمنى إذا انفلق القمر فلقتين"، ووقع في رواية أبي داود الطيالسيّ عن أبي عوانة، وأخرجه أبو نعيم في "الدلائل" من طريق هشيم، كلاهما عن مغيرة، عن أبي الضحى بلفظ:"انشقّ القمر على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت كفار قريش: هذا سِحْرٌ سَحَركم ابن أبي كبشة، فانظروا إلى السُّفّار، فإن أخبروكم أنهم رأوا مثل ما رأيتم، فقد صدق، قال: فما قَدِم عليهم أحدٌ إلا أخبرهم بذلك"، لفظ هشيم، وعند أبي عوانة:"انشق القمر بمكة" نحوه -وفيه: - "فإن محمدًا لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم".
قال الحافظ -رَحِمَهُ اللهُ- ما حاصله: لا تعارض بين قول ابن مسعود: "بمنى"، وبين قول أنس:"إن ذلك كان بمكة"؛ لأنه لم يصرّح بأن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- كان ليلتئذ بمكة، وعلى تقدير تصريحه، فهي من جملة مكة، فلا تعارض، وقد وقع عند الطبرانيّ من طريق زِرّ بن حُبيش، عن ابن مسعود، قال:"انشق القمر بمكة، فرأيته فرقتين"، قال: وهو محمول على ما ذكرته، وكذا وقع في غير هذه الرواية، وقد وقع عند ابن مردويه بيان المراد، فأخرج من وجه آخر عن ابن مسعود قال:"انشق القمر على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ونحن بمكة، قبل أن نصير إلى المدينة"، فوضح أن مراده بذكر مكة الإشارة إلى أن ذلك وقع قبل الهجرة، ويجوز أن ذلك وقع، وهم ليلتئذ بمنى. انتهى (١).
وقال الحافظ أيضًا: والجمع بين قول ابن مسعود تارة: "بمنى" وتارة: "بمكة" إما باعتبار التعدد إن ثبت، وإما بالحمل على أنه كان بمنى، ومن قال: إنه كان بمكة لا ينافيه؛ لأن من كان بمنى كان بمكة، من غير عكس، ويؤيده أن الرواية التي فيها "بمنى" قال فيها: "ونحن بمنى"، والرواية التي فيها "بمكة" لم يقل فيها: ونحن، وإنما قال:"انشقّ القمر بمكة"؛ يعني: أن الانشقاق كان وَهُمْ بمكة قبل أن يهاجروا إلى المدينة، وبهذا يندفع دعوى الداوديّ أن بين الخبرين تضادًّا، والله أعلم.