تُشْرِكَ) بدل من "أهون"، وقوله:(أَحْسَبُهُ قَالَ) يَحْتَمل أن يكون من كلام أنس -رضي الله عنه-؛ أي: أظنّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال إلخ، ويَحْتَمِل أن يكون ممن دونه، ومقول "قال" قوله: (وَلَا أُدْخِلَكَ النَّارَ) فـ "أدخل" معطوف على "تشرك" منصوب، (فَأَبَيْتَ)؛ أي: امتنعت، (إِلَّا الشِّرْكَ")؛ أي: إلا أن تشرك بي ما ليس لي شريكًا، ولا يستحقّ ذلك.
وقال في "الفتح": قال عياض: يشير بذلك إلى قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} الآية، فهذا الميثاق الذي أخذ عليهم في صُلب آدم، فمن وفى به بعد وجوده في الدنيا، فهو مؤمن، ومن لم يوفِّ به فهو الكافر، فمراد الحديث: أردت منك حين أخذت الميثاق، فأبيْت إذ أخرجتك إلى الدنيا إلا الشرك، ويَحْتَمِل أن يكون المراد بالإرادة هنا: الطلب، والمعنى: أمرتك فلم تفعل؛ لأنه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- لا يكون في ملكه إلا ما يريد.
واعترض بعض المعتزلة بأنه كيف يصح أن يأمر بما لا يريد؟.
والجواب أن ذلك ليس بممتنع، ولا مستحيل.
وقال المازريّ: مذهب أهل السُّنَّة أن الله تعالى أراد إيمان المؤمن، وكُفر الكافر، ولو أراد من الكافر الإيمان لآمن؛ يعني: لو قدّره عليه لوقع، وقال أهل الاعتزال: بل أراد من الجميع الإيمان، فأجاب المؤمن، وامتنع الكافر، فحملوا الغائب على الشاهد؛ لأنهم رأوا أن مريد الشرّ شرير، والكفر شرّ، فلا يصح أن يريده البارئ.
وأجاب أهل السُّنَّة عن ذلك بأن الشرّ شرّ في حقّ المخلوقين، وأما في حق الخالق فإنه يفعل ما يشاء، وإنما كانت إرادة الشر شرًّا لنهي الله عنه، والبارئ سبحانه ليس فوقه أحد يأمره، فلا يصح أن تقاس إرادته على إرادة المخلوقين، وأيضًا فالمريد لفعلٍ ما إذا لم يحصل ما أراده آذن ذلك بعجزه وضعفه، والبارئ تعالى لا يوصف بالعجز والضعف، فلو أراد الإيمان من الكافر ولم يؤمن لآذن ذلك بعجز وضعف، تعالى اللهُ عن ذلك علوًّا كبيرًا.
وقد تمسَّك بعضهم بهذا الحديث المتفق على صحته، والجواب عنه ما تقدم، واحتجوا أيضًا بقوله تعالى:{وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ}[الزمر: ٧]،