وأجيبوا بأنه من العامّ المخصوص بمن قضى الله له الإيمان، فعباده على هذا الملائكة، ومؤمنو الإنس والجن.
وقال آخرون: الإرادة غير الرضا، ومعنى قوله:{وَلَا يَرْضَى}؛ أي: لا يشكره لهم، ولا يثيبهم عليه، فعلى هذا فهي صفة فعل.
وقيل: معنى الرضا أنه لا يرضاه دينًا مشروعًا لهم، وقيل: الرضا صفة وراء الإرادة، وقيل: الإرادة تُطلق بإزاء شيئين: إرادة تقدير، وإرادة رضا، والثانية أخصّ من الأُولى، والله أعلم. وقيل: الرضا من الله إرادة الخير، كما أن السخط إرادة الشرّ. انتهى (١).
وقد علّق الشيخ البرّاك على قوله:"لا يرضى؛ أي: لا يشكر لهم … إلخ": الصواب أن الرضا ضدّ السخط، كما قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (٢٨)} [محمد: ٢٨] والرضا يتضمّن المحبّة، والسخط يتضمّن البغض، فمعنى قوله تعالى:{وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} أنه لا يرضاه، ولا يحبّه، بل يسخطه، ويُبغضه، وتفسير نفي الرضا بعدم الشكر غير لائق، فإن ذلك لا يدلّ على قبح الكفر، ولا يقتضي عقابًا، بخلاف نفي المحبّة والرضا، والله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- قد وصف نفسه بالمحبّة والرضا، وأنه يمقت الكافرين، ويسخط عليهم، وأهل السُّنَّة والجماعة يُثبتون هذه الصفات لله تعالى على الحقيقة اللائقة به -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، وتأويلها بالإرادة، أو نحوها هو طريقة أهل التأويل من الأشاعرة وغيرهم؛ لأن مذهبهم نفي هذه الصفات عن الله تعالى.
قال: وقول من قال: الرضا صفة وراء الإرادة؛ يعني: أنها غيرها، وهو قول صحيح.
وقول من قال: الإرادة تُطلق بإزاء شيئين: إرادة تقدير، وإرادة رضا هو معنى قول أهل السُّنَّة: الإرادة من الله نوعان: إرادة كونيّة، وهي المتعلّقة بجميع الكائنات، وهي بمعنى المشيئة؛ كقوله تعالى: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (١٦)} [البروج: ١٦] وإرادة شرعيّة، وهي المتعلّقة بما يحبّه ويرضاه؛ كقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ
(١) "الفتح" ١٥/ ٦٢ - ٦٤، "كتاب الرقاق" رقم (٦٥٣٨).