وُيجمع بين هذا وبين ما تقدم أنه -صلى الله عليه وسلم- أُتِي بالْجُمّار، فشرع في أكله تاليًا للآية، قائلًا:"إن من الشجر شجرة … " إلى آخره، ووقع عند ابن حبان من رواية عبد العزيز بن مسلم، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال:"من يخبرني عن شجرة مَثَلها مثل المؤمن، أصلها ثابت، وفرعها في السماء … " فذكر الحديث، وهو يؤيد رواية البزار.
قال القرطبيّ: فوقع التشبيه بينهما من جهة أن أصل دين المسلم ثابت، وأن ما يصدر عنه من العلوم والخير قوت للأرواح، مستطاب، وأنه لا يزال مستورًا بدينه، وأنه يُنتفَع بكل ما يصدر عنه حيًّا وميتًا. انتهى.
وقال غيره: والمراد بكون فرع المؤمن في السماء: رَفْع عمله، وقبوله.
وروى البزار أيضًا من طريق سفيان بن حسين، عن أبي بشر، عن مجاهد، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مثل المؤمن مثل النخلة، ما أتاك منها نفعك"، هكذا أورده مختصرًا، وإسناده صحيح، وقد أفصح بالمقصود بأوجز عبارة.
وأما من زعم أن موقع التشبيه بين المسلم والنخلة من جهة كون النخلة إذا قُطع رأسها ماتت، أو لأنها لا تحمل حتى تُلَقَّح، أو لأنها تموت إذا غَرِقت، أو لأن لِطَلعها رائحة مَنِيّ الآدمي، أو لأنها تعشق، أو لأنها تشرب من أعلاها، فكلها أوجه ضعيفة؛ لأن جميع ذلك من المشابهات مشترك في الآدميين، لا يختص بالمسلم، وأضعف من ذلك قول من زعم أن ذلك لكونها خُلقت من فضلة طين آدم، فإن الحديث في ذلك لم يثبت، والله أعلم.
٧ - (ومنها): أن فيه ضربَ الأمثال والأشباه؛ لزيادة الإفهام، وتصوير المعاني؛ لترسخ في الذهن، ولتحديد الفكر في النظر في حكم الحادثة.
٨ - (ومنها): أن فيه إشارةً إلى أن تشبيه الشيء بالشيء لا يلزم أن يكون نظيره من جميع وجوهه، فإن المؤمن لا يماثله شيء من الجمادات، ولا يعادله.
٩ - (ومنها): أن فيه توقيرَ الكبير، وتقديم الصغير أباه في القول، وأنه لا يبادره بما فهمه، وإن ظنّ أنه الصواب.