للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الحافظ: وسبق إلى تقرير هذا المعنى الرافعي في "أماليه" فقال: لما كان أجر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في الطاعة أعظم، وعمله في العبادة أقوم، قيل له: ولا أنت؟ أي: لا ينجيك عملك مع عِظَم قَدْره، فقال: لا إلا برحمة الله، وقد ورد جواب هذا السؤال بعينه من لفظ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في حديث جابر الآتي عند مسلم في هذا الباب، بلفظ: "لا يُدخل أحدًا منكم عمله الجنة، ولا يجيره من النار، ولا أنا إلا برحمة من الله تعالى".

(إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللهُ مِنْهُ)؛ أي: إلا أن يسترني الله برحمته، يقال: تغمده الله برحمته: إذا ستره بها، ويقال: تغمدت فلانًا؛ أي: سترت ما كان منه، وغطيته، ومنه: غمد السيف؛ لأنك إذا غمدته فقد سترته في غلافه، وفي رواية سهيل: "إلا أن يتداركني"، والاستثناء منقطع، ويَحْتَمِل أن يكون متصلًا، من قبيل قوله تعالى: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} [الدخان: ٥٦] (١).

(بِرَحْمَةٍ) وفي رواية أبي عبيد: "بفضل، ورحمة"، وفي رواية الكشميهنيّ من طريقه: "بفضل رحمته"، وفي رواية الأعمش: "برحمة، وفضل"، وفي رواية ابن عون: "بمغفرة، ورحمة"، وقال ابن عون بيده هكذا، وأشار على رأسه، وكأنه أراد تفسير معنى "يتغمدني"، قال أبو عبيد: المراد بالتغمد: الستر، وما أظنه إلا مأخوذًا من غَمْد السيف؛ لأنك إذا أغمدت السيف، فقد ألبسته الغمد، وسترته به، قال الرافعيّ: في الحديث أن العامل لا ينبغي أن يتكل على عمله في طلب النجاة، ونيل الدرجات؛ لأنه إنما عمل بتوفيق الله، وإنما ترك المعصية بعصمة الله، فكل ذلك بفضله، ورحمته. انتهى (٢).

وقال القاري رحمه اللهُ: "إلا أن يتغمدني الله"؛ أي: يسترني منه برحمته، والاستثناء منقطع؛ أي: إلا أن يُلبسني لباس رحمته، فأدخل الجنة برحمته، والتغميد: الستر؛ أي: يسترني برحمته، ويحفظني كما يُحفظ السيفُ بالغمد، بكسر الغين، وهو الغلاف، ويجعل رحمته محيطة بي إحاطة الغلاف للسيف.


(١) "عمدة القاري شرح صحيح البخاريّ" ٣٣/ ٢٣٧.
(٢) "الفتح" ١٤/ ٦٠٠.