العمل أدنى إلى النجاة، فكأنه مُعِدّ للعامل لأن يتفضّل الله عليه، وتقرب منه الرحمة، وإن لم يكن موجبًا لذلك. انتهى (١).
(وَلَكِنْ سَدِّدُوا")، معناه: اقصدوا السَّداد؛ أي: الصواب، ومعنى هذا الاستدراك أنه قد يُفهم من النفي المذكور نفي فائدة العمل، فكأنه قيل: بل له فائدة، وهو أن العمل علامة على وجود الرحمة التي تُدخل العامل الجنة، فاعملوا، واقصدوا بعملكم الصواب؛ أي: اتباع السُّنَّة، من الإخلاص، وغيره؛ ليقبل عملكم، فتنزل عليكم الرحمة.
زاد في رواية البخاريّ من رواية سعيد المقبريّ عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: "وقاربوا، واغدوا، وروحوا، وشيئًا من الدلجة، والقصدَ، القصدَ، تبلغوا".
فقوله: "وقاربوا"؛ أي: لا تُفْرِطوا، فتُجهِدوا أنفسَكم في العبادة؛ لئلا يُفضي بكم ذلك إلى الملال، فتتركوا العمل، فتُفَرِّطوا.
وقد أخرج البزار من طريق محمد بن سُوقة، عن ابن المنكدر، عن جابر، ولكن صوّب إرساله، وله شاهد في "الزهد" لابن المبارك، من حديث عبد الله بن عمرو، موقوف: "إن هذا الدين متين، فأوغلوا فيه برفق، ولا تُبَغِّضوا إلى أنفسكم عبادة الله، فإن المُنْبَتّ لا أرضًا قطع، ولا ظهرًا أبقى"، والْمُنْبَتُّ بنون، ثم موحّدة، ثم مثناة ثقيلة؛ أي: الذي عَطِب مركوبه من شدّة السَّيْر، مأخوذ من البتّ، وهو القطعِ؛ أي: صار منقطعًا لم يصل إلى مقصوده، وفَقَد مركوبه الذي كان يوصله لو رَفق به.
وقوله: "أوغلوا" بكسر المعجمة من الوغول، وهو الدخول في الشيء.
وقوله: "واغدوا، وروحوا، وشيئًا من الدلجة"، وفي رواية الطيالسيّ عن ابن أبي ذئب: "وخُطًا من الدلجة"، والمراد بالغدوّ: السير من أول النهار، وبالرواح: السير من أول النصف الثاني من النهار، والدلجة بضم المهملة، وسكون اللام، ويجوز فتحها، وبعد اللام جيم: سَيْر الليل، يقال: سار دلجة من الليل؛ أي: ساعة، فلذلك قال: "شيئًا من الدلجة"؛ لِعُسر سَيْر جميع الليل، فكأن فيه إشارةً إلى صيام جميع النهار، وقيام بعض الليل، وإلى أعمّ