وقال الكرمانيّ: الباء في قوله: {بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} ليست للسببية، بل للإلصاق، أو المصاحبة؛ أي: أورثتموها ملابسة، أو مصاحبة، أو للمقابلة نحو: أعطيت الشاة بالدرهم، وبهذا الأخير جزم الشيخ جمال الدين بن هشام في "المغني" فسبق إليه، فقال: تَرِدُ الباء للمقابلة، وهي الداخلة على الأعواض، كاشتريته بألف، ومنه:{ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}، وإنما لم تقدَّر هنا للسببية، كما قالت المعتزلة، وكما قال الجميع في:"لن يدخل أحدكم الجنة بعمله"؛ لأن المعطي بعوض قد يعطي مجانًا، بخلاف المسبب، فلا يوجد بدون السبب، قال: وعلى ذلك ينتفي التعارض بين الآية والحديث.
قال الحافظ: سبقه إلى ذلك ابن القيم، فقال في "كتاب مفتاح دار السعادة": الباء المقتضية للدخول غير الباء الماضية، فالأُولى السببية الدالة على أن الأعمال سبب الدخول المقتضية له، كاقتضاء سائر الأسباب لمسبباتها، والثانية بالمعاوضة، نحو اشتريت منه بكذا، فأخبر أن دخول الجنة ليس في مقابلة عمل أحد، وأنه لولا رحمة الله لعبده لَمَا أدخله الجنة؛ لأن العمل بمجرده، ولو تناهى لا يوجب بمجرده دخول الجنة، ولا أن يكون عوضًا لها؛ لأنه ولو وقع على الوجه الذي يحبه الله، لا يقاوم نعمة الله، بل جميع العمل لا يوازي نعمة واحدة، فتبقى سائر نعمه مقتضية لشكرها، وهو لم يوفها حقّ شكرها، فلو عذّبه في هذه الحالة لعذّبه، وهو غير ظالم، وإذا رَحِمه في هذه الحالة كانت رحمته خيرًا من عمله، كما في حديث أُبَيّ بن كعب -رضي الله عنه- الذي أخرجه أبو داود، وابن ماجه في ذِكر القَدَر، ففيه:"لو أن الله عذّب أهل سماواته وأرضه لعذَّبهم، وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم كانت رحمته خيرًا لهم … " الحديث، قال: وهذا فصل الخطاب مع الجبرية الذين أنكروا أن تكون الأعمال سببًا في دخول الجنة من كل وجه، والقدرية الذين زعموا أن الجنة عوض العمل، وأنها ثمنه، وأن دخولها بمحض الأعمال، والحديث يبطل دعوى الطائفتين، والله أعلم.
وجوَّز الكرمانيّ أيضًا أن يكون المراد: أن الدخول ليس بالعمل، والإدخال المستفاد من الإرث بالعمل، وهذا إن مشى في الجواب عن قوله تعالى:{أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}[الزخرف: ٧٢] لم يمش في قوله تعالى: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}.