للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الحافظ: ويظهر لي في الجمع بين الآية والحديث جواب آخر، وهو أن يُحْمَل الحديث على أن العمل من حيث هو عمل لا يستفيد به العامل دخول الجنة، ما لم يكن مقبولًا، وإذا كان كذلك، فأمْر القبول إلى الله تعالى، وإنما يحصل برحمة الله لمن يقبل منه، وعلى هذا فمعنى قوله: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}؛ أي: تعملونه من العمل المقبول، ولا يضرّ بعد هذا أن تكون الباء للمصاحبة، أو للإلصاق، أو المقابلة، ولا يلزم من ذلك أن تكون سببية.

قال: ثم رأيت النووي جزم بأن ظاهر الآيات أن دخول الجنة بسبب الأعمال، والجمع بينها وبين الحديث: أن التوفيق للأعمال والهداية للإخلاص فيها، وقبولها، إنما هو برحمة الله وفضله، فيصح أنه لم يدخل بمجرد العمل، وهو مراد الحديث، ويصح أنه دخل بسبب العمل، وهو من رحمة الله تعالى.

وردّ الكرمانيّ الأخير بأنه خلاف صريح الحديث.

وقال المازريّ: ذهب أهل السُّنَّة إلى أن إثابة الله تعالى من أطاعه بفضل منه، وكذلك انتقامه ممن عصاه بعدل منه، ولا يثبت واحد منهما إلا بالسمع، وله سبحانه وتعالى أن يعذب الطائع، وينعِّم العاصي، ولكنه أخبر أنه لا يفعل ذلك، وخبره صدقٌ، لا خُلف فيه، وهذا الحديث يقوِّي مقالتهم، ويردّ على المعتزلة حيت أثبتوا بعقولهم أعواض الأعمال، ولهم في ذلك خبط كثير، وتفصيل طويل. انتهى ما في "الفتح".

قال الجامع عفا الله عنه: خلاصة القول في هذه المسألة، وأرجح الآراء عندي فيها أنه لا تعارض بين الآيات المذكورة، وبين حديث الباب، وذلك أن دخول الجنّة برحمة الله سبحانه وتعالى وفضله، ومن رحمته وفضله توفيقه للأعمال الصالحة، وقبوله إياها، ثم وَعْده عليها بدخول الجنة، فيقول الله سبحانه وتعالى لهم: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}؛ أي: أن هذه الأعمال بتوفيق الله عز وجل سبب في دخول الجنّة، واقتسام منازلها المتفاوتة على حسب تفاوت الأعمال، وذلك كله فضل من الله تعالى، ورحمة، لا دخل للعبد في شيء منه، فبهذا تتفق الآيات وحديث الباب، والله تعالى أعلم.