للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

النار"، فهي حرف شرط وتوكيد، وليست هنا للتفصيل، وإن كان غالب أحوالها أن تأتي له لكنها ليست له، كما بيّنه ابن هشام في "مغنيه" (١)، وجوابها قوله: "فإنهم لا يموتون … إلخ وقوله: (الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهَا) صفة لـ "أهل النار" (فَإِنَّهُمْ لَا يَمُوتُونَ فِيهَا) أي حتى يستريحوا من ألم العذاب (وَلَا يَحْيَوْنَ) بفتح أوله، مضارع حَيِي، من باب تَعِبَ: أي ولا يحيون حياةً ينتفعون بها، ويجدون فيها لذّة المعيشة، بل يكونون دائمًا متقلّبين في عذاب أليم.

وقال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: الظاهر من معنى الحديث - والله أعلم - أن الكفار الذين هم أهل النار، والمستحقون للخلود، لا يموتون فيها، ولا يَحْيَون حياةً ينتفعون بها، ويستريحون معها، كما قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (٣٦)} [فاطر: ٣٦]، وكما قال تعالى: {ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (١٣)} [الأعلى: ١٣]، وهذا جارٍ على مذهب أهل الحقّ أن نعيم أهل الجنة دائم، وأن عذاب أهل الخلود في النار دائمٌ. انتهى (٢).

(وَلَكِنْ نَاسٌ أَصَابَتْهُمُ النَّارُ بِذُنُوبِهِمْ) أي بسبب ارتكابهم الذنوب الموجبة لدخول النار (أَوْ) للشكّ من الرا وي (قَالَ: بِخَطَايَاهُمْ، فَأَمَاتَهُمْ إِمَاتَةً) أي أماتهم الله، فالفاعل ضمير يعود على الله؛ لعلمه، وإن لم يُذكر، وفي بعض النسخ: "فأماتتهم"، فالضمير للنار.

وقال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ولكن ناس أصابتهم النار … إلخ": معناه: أن المذنبين من المؤمنين يُميتهم الله تعالى إماتةً بعد أن يُعَذّبوا المدة التي أرادها الله تعالى، وهذه الإماتة إماتة حقيقية، يَذْهَب معها الإحساس، ويكون عذابهم على قدر ذنوبهم، ثم يُميتهم، ثم يكونون محبوسين في النار من غير إحساس المدّة التي قدَّرها الله تعالى، ثم يَخرُجون من النار موتى، قد صاروا فَحْمًا، فَيُحْمَلون ضَبَائر كما تُحْمَل الأمتعة، ويُلْقَون على أنهار الجنة، فيُصَبّ عليهم ماءُ الحياة، فيَحْيَون، ويَنبُتون نَبَاتَ الْحِبّة في حَمِيل السيل، في سرعة نباتها وضعفها، فتَخْرُج لضعفها صَفْراء مُلْتَوِيةً، ثم تشتدّ قوتهم بعد ذلك،


(١) راجع: "مغني اللبيب" ١/ ٥٧.
(٢) "شرح النوويّ" ٣/ ٣٨.