قال العلماء رحمهم الله: إنما ألزم الأنبياءُ -عليهم الصلاة والسلام- أنفسَهم بشدّة الخوف، لعلمهم بعظيم نعمة الله تعالى عليهم، وأنه ابتدأهم بها قبل استحقاقها، فبذلوا مجهودهم في عبادته، ليؤدوا بعض شكره، مع أن حقوق الله تعالى أعظم من أن يقوم بها العباد. والله تعالى أعلم.
٢ - (ومنها): أن فيه مشروعيةَ الصلاة للشكر، وأن الشكر يكون بالعمل، كما يكون باللسان، كما قال الله تعالى:{اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا} الآية [سبأ: ١٣].
٣ - (ومنها): ما قاله ابن بطال -رحمه الله-: في هذا الحديث: أخْذ الإنسان على نفسه بالشدّة في العبادة، وإن أضرّ ذلك ببدنه؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- إذا فعل ذلك مع علمه بما سبق له، فكيف بمن لم يعلم بذلك، فضلًا عمن لم يأمن أنه استحق النار. انتهى.
قال الحافظ: ومحل ذلك ما إذا لم يُفض إلى الملال؛ لأن حال النبيّ -صلى الله عليه وسلم- كانت أكمل الأحوال، فكان لا يَمَلّ من عبادة ربه، وإن أضرّ ذلك ببدنه، بل صحّ أنه قال:"وجُعلت قرة عيني في الصلاة"، كما أخرجه النسائيّ من حديث أنس -رضي الله عنه-، فأما غيره -صلى الله عليه وسلم-، فإذا خشي الملل لا ينبغي له أن يُكره نفسه، وعليه يُحْمَل قوله -صلى الله عليه وسلم-: "خُذُوا من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا". انتهى (١).
٤ - (ومنها): ما قاله بعض العلماء: ما ورد في القرآن والسُّنَّة منِ ذكر ذنب لبعض الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- كقوله:{وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى}[طه: ١٢١]، ونحو ذلك فليس لنا أن نقول ذلك في غير القرآن والسُّنَّة، حيث ورد، ويُؤَوَّل ذلك على ترك الأَولى، وسُمّيت ذنوبًا لِعِظَم مقدارهم، كما قال بعضهم: حسنات الأبرار سيئات المقربين، وعلى هذا فما وجه قول من سأله من الصحابة -رضي الله عنهم- بقوله:"أتتكلف هذا، وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك، وما تأخر"؟.
والجواب: أن من سأله عن ذلك إنما أراد به ما وقع في "سورة الفتح"، ولعل بعض الرواة اختصر عزو ذلك إلى الله؛ لِمَا جاء في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: "تفعل ذلك، وقد جاءك من الله أن قد غفر لك ما تقدم من ذنبك