للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

هؤلاء الذين يؤمنون بآيات الله، الذين وصفت صفتهم، وترتفع من مضاجعهم التي يضطجعون لمنامهم، ولا ينامون {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} في عفوه عنهم، وتفضُّله عليهم برحمته ومغفرته. {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} في سبيل الله، ويؤدّون منه حقوق الله التي أوجبها عليهم فيه. وتتجافى: تتفاعل من الجفاء، والجفاء: النَّبو، كما قال الراجز:

وَصَاحِبي ذَاتُ هِباب دَمْشَقُ … وَابنُ مِلاطٍ مُتجاف أرْفَقُ

وإنما وصفهم تعالى ذِكره بتجافي جنوبهم عن المضاجع؛ لِتركهم الاضطجاع للنوم شغلًا بالصلاة.

واختَلف أهل التأويل في الصلاة التي وصفهم جلّ ثناؤه، أن جُنوبهم تتجافى لها عن المضطجع، فقال بعضهم: هي الصلاة بين المغرب والعشاء، وقال: نزلت هذه الآية في قوم كانوا يصلّون في ذلك الوقت، وقال آخرون: عنى بها صلاة المغرب، وقال آخرون: لانتظار صلاة العتمة.

وقال آخرون: عنى بها قيام الليل، وقال آخرون: إنما هذه صفة قوم لا تخلو ألسنتهم من ذكر الله.

ثم قال ابن جرير: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله وصف هؤلاء القوم بأن جُنوبهم تنبو عن مضاجعهم، شغلًا منهم بدعاء ربهم وعبادته خوفًا وطمعًا، وذلك نبوّ جنوبهم عن المضاجع ليلًا؛ لأن المعروف مِن وَصْف الواصف رجلًا بأن جنبه نبا عن مضجعه، إنما هو وَصْف منه له بأنه جفا عن النوم في وقت منام الناس المعروف، وذلك الليل دون النهار، وكذلك تصف العرب الرجل إذا وصفته بذلك، يدلّ على ذلك قول عبد الله بن رواحة الأنصاريّ -رضي الله عنه- في صفة نبيّ الله -صلى الله عليه وسلم-:

يَبِيتُ يُجافِي جَنْبَهُ عَنْ فِراشِهِ … إذا اسْتَثْقَلَت بالمُشْرِكِينَ المَضَاجِعُ

فإذا كان ذلك كذلك، وكان الله تعالى ذكره لم يخصص في وصفه هؤلاء القوم بالذي وصفهم به من جفاء جنوبهم عن مضاجعهم من أحوال الليل وأوقاته حالًا ووقتًا دون حال ووقت، كان واجبًا أن يكون ذلك على كلّ آناء الليل، وأوقاته، وإذا كان كذلك كان من صلى ما بين المغرب والعشاء، أو انتظر العشاء الآخرة، أو قام الليل أو بعضه، أو ذكر الله في ساعات الليل، أو