للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إلى تلك المنازل، وقال ابن التين: يَحْتَمِل أن تكون "بلى" جواب النفي في قولهم: "لا يبلغها غيرهم"، وكأنه قال: بلى يبلغها رجال غيرهم. انتهى (١).

(وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ) وهو الله -سبحانه وتعالى-، وهذا قَسَم أقسم به النبيّ -صلى الله عليه وسلم- تأكيدًا لحديثه، وفيه إثبات اليد لله -عز وجل- على ما يليق بجلاله. (رِجَالٌ) مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف؛ أي: تلك المنازل منازل رجال آمنوا، (آمَنُوا باللهِ)؛ أي: حقّ إيمانه (وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ")؛ أي: حقّ تصديقهم، وإلا فكلُّ من يدخل الجنة آمَنَ بالله، وصَدَّق رسله، قاله في "العمدة".

وقال في "الفتح": قوله: "وصدّقوا المرسلين أي: حقّ تصديقهم وإلا لكان كلّ من آمن بالله، وصدّق رسله، وصل إلى تلك الدرجة، وليس كذلك، ويَحْتَمِل أن يكون التنكير في قوله: "رجال" يشير إلى ناس مخصوصين، موصوفين بالصفة المذكورة، ولا يلزم أن يكون كل من وُصف بها كذلك؛ لاحتمال أن يكون لمن بلغ تلك المنازل صفة أخرى، وكأنه سكت عن الصفة التي اقتضت لهم ذلك، والسرّ فيه أنه قد يبلغها من له عمل مخصوص، ومن لا عمل له كان بلوغها إنما هو برحمة الله تعالى.

وقد وقع في رواية الترمذيّ من وجه آخر، عن أبي سعيد: "وإن أبا بكر وعمر لمنهم، وأنْعِما". ورَوى الترمذيّ أيضًا عن عليّ، مرفوعًا: "إن في الجنة لغرفًا تُرى ظهورها من بطونها، وبطونها من ظهورها، فقال أعرابيّ: لمن هي يا رسول الله؟ قال: هي لمن ألان الكلام، وأدام الصيام، وصلى بالليل والناس نيام".

وقال ابن التين: قيل: إن المعنى أنهم يبلغون درجات الأنبياء.

وقال الداوديّ: يعني: أنهم يبلغون هذه المنازل التي وُصفت، وأما منازل الأنبياء، فإنها فوق ذلك.

وقع في حديث أبي هريرة، عند أحمد، والترمذيّ: "قال: بلى، والذي نفسي بيده، وأقوام آمنوا بالله، ورسوله". هكذا فيه بزيادة الواو العاطفة، ففسد تأويل الداوديّ، والله المستعان. ويَحْتَمِل أن يقال: إن الغرف المذكورة لهذه


(١) "الفتح" ٧/ ٥٤٩.