للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وهي أوضح، فأمَّا من رواهما بـ"مِن" في الموضعين، فأوجَهُ ما فيهما أن تكون الأولى لابتداء الغاية، والثانية بدل منها مبيّنة لها، وقيل: إنها في قوله: "من المشرق" لانتهاء الغاية، وهو خروجٌ عن أصلها، وليس معروفًا عند أكثر النحويين. انتهى (١).

وقوله: (لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ") متعلّق بمحذوف خبر لمقدّر؛ أي: ذلك كائن لتفاوت ما بينهم من الدرجات.

قال في "الفتح": واستُدلّ به على تفاوت درجات أهل الجنة، وقد قُسِموا في "سورة الواقعة" إلى السابقين، وأصحاب اليمين، فالقسم الأول هم من ذُكر في قوله تعالى: {فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} الآية [النساء: ٦٩]، ومن عداهم أصحاب اليمين، وكل من الصنفين متفاوتون في الدرجات، وفيه تعقب على من خَصَّ المقربين بالأنبياء، والشهداء؛ لقوله في آخر الحديث: "رجال آمنوا بالله، وصدقوا المرسلين". انتهى (٢).

(قَالُوا)؛ أي: الصحابة الحاضرون مجلس النبيّ -صلى الله عليه وسلم- حين حدّث بهذا الحديث، (يَا رَسُولَ اللهِ تِلْكَ)؛ أي: المنازل التي ذكرتها آنفًا، (مَنَازِلُ الأَنْبِيَاءِ) -عليهم السلام- (لَا يَبْلُغُهَا)؛ أي: لا يصل إليها، ولا ينالها (غَيْرُهُمْ) من أممهم. (قَالَ) -صلى الله عليه وسلم-: ("بَلَى) قال في "العمدة": وفي رواية أبي ذرّ: "بل" التي للإضراب، وقال القرطبيّ: هكذا وقع هذا الحرف "بلى" التي أصلها حرف جواب وتصديق، وليس هذا موضعها؛ لأنهم لم يستفهموا، وإنما أخبروا أن تلك المنازل للأنبياء -عليهم السلام-، لا لغيرهم، فجواب هذا يقتضي أن تكون بـ"بل" التي للإضراب، عن الأول، وإيجاب المعنى للثاني، فكأنه تسومح فيها، فوضعت "بلى" موضع "بل". انتهى (٣).

وقال في "الفتح": حكى ابن التين أن في رواية أبي ذرّ: "بل" بدل "بلى"، ويمكن توجيه "بلى" بأن التقدير: نَعَم، هي منازل الأنبياء -عليهم السلام- بإيجاب الله تعالى لهم ذلك، ولكن قد يتفضل الله تعالى على غيرهم بالوصول


(١) "المفهم" ٧/ ١٧٥ - ١٧٦.
(٢) "الفتح" ١٥/ ٩٨.
(٣) "عمدة القاري" ١٥/ ١٥٩.