وقال الطيبيّ -رحمه الله-: فإن قلت: ما فائدة تقييد الكواكب بالدريّ، ثم بالغابر في الأفق؟.
قلت: للإيذان بأنه من باب التمثيل الذي وَجْهُهُ مُنْتَزَعٌ من عدة أمور متوهمة في المشبه، شُبّه رؤية الرائي في الجنة صاحبَ الغرفة برؤية الرائي الكوكبَ المستضيءَ الباقي في جانب الشرق، أو الغرب في الاستضاءة مع البعد، فلو قيل: الغابر لم يصحّ؛ لأن الإشراق يفوت عند الغروب، اللَّهُمَّ إلا أن يُقَدَّر المستشرف على الغروب؛ كقوله تعالى:{فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ}[البقرة: ٢٣٤]؛ أي: شارفن بلوغ أجلهنّ، لكن لا يصحّ هذا المعنى في الجانب الشرقيّ، نعم على التقدير كقوله:
مُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَرُمْحًا
وقوله:
عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا
أي: طالعًا في الأفق من المشرق، وغابرًا في المغرب.
فإن قلت: ما فائدة ذكر الشرق والغرب؟، وهلّا قيل: في السماء؛ أي: في كبدها؟.
قلت: لو قيل: في السماء لكان القصد الأول بيانَ الرفعة، ويلزم منه البعد، وفي ذكر المشرق أو المغرب القصد الأول البعد، ويلزم منه الرفعة، وفيه شبهة من التقصير، بخلاف الأولى، فإن فيه نوع اعتذار، وقريبٌ منه قول الشاعر [من المتقارب]:
(مِنَ الأُفُقِ، مِنَ الْمَشْرِقِ، أَوِ الْمَغْرِبِ) قال القرطبيّ -رحمه الله-: قوله: "من الأفق": رويناه بـ"مِنْ" التي لابتداء الغاية، وهي الظرفية، وأما "من المشرق"، فلم يُروَ في كتاب مسلم إلا بـ"مِنْ"، وقد رواه البخاريّ:"في المشرق" بـ "في"،