للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الأول الهيئة، والحسن، والضوء، كما إذا قلت: إن زيدًا ليس بإنسان، بل هو في صورة الأسد، وهيئته، وجرأته، وهذا التشبيه قريبٌ من الاستعارة المكنيّة، والكوكب الدريّ هو الشديد الإنارة، نُسب إلى الدرّ، وشُبّه صفاؤه بصفائه. انتهى (١).

وقوله: (لَا يَبُولُونَ، وَلَا يَتَغَوَّطُونَ، وَلَا يَمْتَخِطُونَ)؛ أي: ليس في فمهم وأنفهم من المياه الزائدة والمواد الفاسدة ليحتاجوا إلى إخراجها؛ لأن الجنة مساكن طيبة للطيبين، فلا يلائمها الأدناس والأنجاس.

وقوله: (وَلَا يَتْفُلُونَ) بضم الفاء، وتكسر؛ أي: لا يبزقون، وقال النوويّ: قوله: "ولا يتفلون" هو بكسر الفاء، وضمها، حكاهما الجوهريّ وغيره، وفي رواية: "لا يبصقون"، وفي رواية: "لا يبزقون" وكله بمعنى. انتهى.

وقال الرافعيّ -رحمه الله-: قوله: "لا يتفلون" الرواية بكسر الفاء، يقال: تَفَل يَتْفِل تَفْلًا: بَزَقَ، والتَّفَل بفتحتين، هو البزاق نفسه، وكذلك الريح الكريهة، ويقال في معنى الرائحة: تَفِلَ يَتْفَل تَفَلًا، فهو تَفِلٌ، ومنه: "وليخرجن تَفِلات"، فقوله: "لا يتفلون"؛ أي: لا يبصقون، كما قال: "لا يمتخطون"، ولو رُويَ لا يَتْفَلُون لكان المعنى لا يتغير روائحهم. انتهى (٢).

وقال الفيّوميّ -رحمه اللهُ-: تَفِلَتِ المرأةُ تَفَلًا، فهي تَفِلَةٌ، من باب تَعِبَ: إذا أنتن ريحها؛ لِتَرك الطيب والادّهان، والجمع: تَفِلاتٌ، وإذا كَثُر فيها فهي مِتْفَالٌ، مبالغة، وتَفِلَتْ: إذا تطيبت، من الأضداد، وتَفَلَ تَفْلًا، من بابي ضَرَب، وقَتَل، من البزاق، يقال: بَزَقَ، ثم تَفَلَ، ثم نَفَثَ، ثم نَفَخَ. انتهى (٣).

وقال القرطبيّ -رحمه الله-: قوله: "لا يبولون. . . إلخ" إنما لم تصدر هذه

الفضلات عن أهل الجنة؛ لأنَّها أقذار مستخبثة، والجنة منزهة عن مثل ذلك، ولمّا كانت أغذية أهل الجنة في غاية اللطافة، والاعتدال، لم يكن لها فضلة تستقذر، بل تستطاب، وتستلذّ، وهي التي عبّر عنها بالمسك فيما قال:


(١) "الكاشف عن حقائق السنن" ١١/ ٢٥٥٥.
(٢) "التدوين في أخبار قزوين" للرافعيّ ١/ ٢٢٧ - ٢٢٨.
(٣) "المصباح المنير" ١/ ٧٦.