للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الجملة أكثر الحيوانات خوفًا وحذرًا، حتى قيل: أحذر من غراب، وقد غلب الخوف على كثير من السّلف حتى انصدعت قلوبهم، فماتوا. انتهى (١).

وقال النوويّ -رحمه الله-: قيل: مثلها في رقّتها، وضَعفها؛ كالحديث الآخر: أهل اليمن أرقّ قلوبًا، وأضعف أفئدة، وقيل: في الخوف، والهيبة، والطيرُ أكثر الحيوان خوفًا وفزعًا، كما قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: ٢٨]، وكأن المراد قوم غلب عليهم الخوف، كما جاء عن جماعات من السلف في شدّة خوفهم، وقيل: المراد: متوكلون، والله أعلم. انتهى (٢).

وقال ابن الجوزيّ -رحمه الله-: هؤلاء قومٌ رَقّت قلوبهم، فاشتدّ خوفهم من الآخرة، وزاد على المقدار، فشبَّههم بالطير التي تفزع من كل شيء، وتخافه. انتهى (٣).

وقال المناويّ -رحمه الله-: المعنى أن قلوبهم مثل أفئدة الطير في رقتها، ولِينها، كما في خبر أهل اليمن: "أرقّ أفئدة"؛ أي: أنها لا تحمل أشغال الدنيا، فلا يسعها الشيء وضده، كالدنيا والآخرة، أو في التوكل، كقلوب الطير: "تغدو خِماصًا وتروح بِطانًا" (٤)، أو في الهيبة والرهبة؛ لأن الطير أفزع شيء، وأشد الحيوان خوفًا، لا يطيق حبسًا، ولا يحتمل إشارةً، هكذا أفئدة هؤلاء مما حلّ بها من هيبة الحقّ، وخوف جلال الله، وسلطانه، لا تُطيق حبس شيء يبدو من آثار القدرة، ألا ترى أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- كان إذا رأى شيئًا من آثارها؛ كغمام فَزِع، فإذا أمطرت سُرِّي عنه، وسَمع إبراهيم بن أدهم قائلًا يقول: كل ذنب مغفور سوى الإعراض عنا، فسقط مُغمًى عليه، وسُمّي علي بن الفضيل قَتيل القرآن، وعليه فمعنى "يدخل الجنة إلخ"؛ أي: الذين هم لله


(١) "المفهم" ٧/ ١٧١.
(٢) "شرح النوويّ" ١٧/ ١٧٧.
(٣) "كشف المشكل من حديث الصحيحين" ص ١٠٢٢.
(٤) أشار به ما أخرجه الترمذي وابن ماجه، وصححه ابن حبّان من حديث عمر -رضي الله عنه-، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لو أنكم توكلتم على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خِماصًا، وتروح بِطانًا".