للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وظنوه معارضًا لحديث عائشة وأبي هريرة، وليس كذلك، وإنما معنى قوله: "عليك السلام تحية الموتى" إخبار عن الواقع، لا عن الشرع؛ أي: أن الشعراء ونحوهم يُحيّون الموتى به، واستشهد بالبيت المتقدم، وفيه ما فيه، قال: فكره النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أن يُحَيَّى بتحية الأموات.

وقال عياض أيضًا: كانت عادة العرب في تحية الموتى تأخير الاسم؛ كقولهم: عليه لعنة الله وغضبه، عند الذمّ، وكقوله تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (٣٥)} [الحجر: ٣٥].

وتُعُقِّب بأن النصّ في الملاعنة وَرَدَ بتقديم اللعنة والغضب على الاسم.

وقال القرطبيّ: يَحْتَمِل أن يكون حديث عائشة لمن زار المقبرة، فسلَّم على جميع من بها، وحديث أبي جُريّ إثباتًا ونفيًا في السلام على الشخص الواحد.

ونقل ابن دقيق العيد عن بعض الشافعية أن المبتدئ لو قال: عليكم السلام لم يَجُز؛ لأنها صيغة جواب، قال: والأَولى الإجزاء؛ لحصول مسمى السلام، ولأنهم قالوا: إن المصلي ينوي بإحدى التسليمتين الردّ على من حضر، وهي بصيغة الابتداء، ثم حكى عن أبي الوليد ابن رُشد أنه يجوز الابتداء بلفظ الردّ وعكسه. انتهى (١).

(فَقَالُوا: السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ) كذا للأكثر هنا وعند البخاريّ، وأحمد، ووقع هنا للكشميهني عند البخاريّ: "فقالوا: وعليك السلام ورحمة الله"، وعليها شَرَح الخطابيّ، واستدل برواية الأكثر لمن يقول: يجزئ في الردّ أن يقع باللفظ الذي يبتدأ به، كما تقدم، قيل: ويكفي أيضًا الرد بلفظ الإفراد. (قَالَ) -صلى الله عليه وسلم-: (فَزَادُوهُ: وَرَحْمَةُ اللهِ) فيه مشروعية الزيادة في الردّ على الابتداء، وهو مستحبّ بالاتفاق؛ لوقوع التحية في ذلك في قوله تعالى: {فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: ٨٦] فلو زاد المبتدئ: "ورحمة الله" استُحِبّ أن يزاد: "وبركاته"، فلو زاد: "وبركاته"، فهل تشرع الزيادة في الردّ؟ وكذا لو زاد المبتدئ على "وبركاته"، هل يشرع له ذلك؟ أخرج مالك في "الموطأ" عن ابن عباس قال: انتهى السلام إلى البركة.


(١) "الفتح" ١٤/ ١٣١ - ١٣٢.