للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وتعالى عن أن يشبه بشيء من المخلوقين، أنه جل وعلا جعل سبب الخلق الذي هو المتحرك النامي بذاته اجتماع الذكر والأنثى، ثم زوال الماء عن قرار الذكر إلى رحم الأنثى، ثم تغير ذلك إلى العَلَقة بعد مدّة، ثم إلى المضغة، ثم إلى الصورة، ثم إلى الوقت الممدود فيه، ثم الخروج من قراره، ثم الرضاع، ثم الفطام، ثم المراتب الأُخَر على حَسَب ما ذكرنا إلى حلول المنية به، هذا وصف المتحرك النامي بذاته من خلقه، وخَلَق الله جل وعلا آدم على صورته التي خلقه عليها، وطوله ستون ذراعًا، من غير أن تكون تقدَّمه اجتماع الذكر والأنثى، أو زوال الماء، أو قراره، أو تغيير الماء عَلَقة، أو مضغة، أو تجسيمه بعده، فأبان الله بهذا فضله على سائر من ذكرنا من خَلْقه، بأنه لم يكن نطفة، فعلقة، ولا علقة فمضغة، ولا مضغة فرضيعًا، ولا رضيعًا ففطيمًا، ولا فطيمًا فشابًّا، كما كانت هذه حالة غيره، ضدّ قول من زعم أن أصحاب الحديث حشوية، يروون ما لا يعقلون، ويحتجون بما لا يدرون. انتهى كلام ابن حبّان -رحمه الله- (١).

قال الجامع عفا الله عنه: خلاصة قول ابن حبّان -رحمه الله- أنه يرى أن ضمير "صورته" راجع إلى آدم -عليه السلام-، وهذا ليس معنى بعيدًا، ولكن لا يلزم منه نفي الصورة عن الله -عز وجل-، كما سيأتي تحقيق ذلك، فتنبّه.

وقال في "العمدة": قوله: "على صورته"؛ أي: على صورة آدم؛ لأنه أقرب؛ أي: خَلَقه في أول الأمر بشرًا سويًّا كامل الخلقة، طويلًا ستين ذراعًا كما هو المشاهد، بخلاف غيره، فإنه يكون أولًا نطفة، ثم عَلَقَة، ثم مُضغة، ثم جنينًا، ثم طفلًا، ثم رَجُلًا حتى يتم طوله، فله أطوار، وقال ابن بطال: أفاد -صلى الله عليه وسلم- بذلك إبطال قول الدهرية: إنه لم يكن قط إنسان إلا من نطفة، ولا نطفة إلا من إنسان، وقول القدرية: إن صفات آدم على نوعين: ما خلقها الله تعالى، وما خلقها آدم بنفسه، قال: وقيل: إنه -صلى الله عليه وسلم- مَرَّ برجل يضرب عبده في وجهه لَطْمًا، فزجره عن ذلك، وقال: "خلق الله آدم على صورته"، فالهاء كناية عن المضروب وجهه، قال: وقد يقال: هو عائد إلى الله تعالى، لكن الصورة


(١) "صحيح ابن حبان" ١٤/ ٣٤ - ٣٥.